عاجل

منذ سنوات قليلة، كان الذكاء الاصطناعي مجرّد فكرة مثيرة في أفلام الخيال العلمي. كنا نشاهده يتحكم في السفن الفضائية، ويقوم بالمهام المعقدة بدلًا من البشر. واليوم، وبينما نفتح هواتفنا لنطلب من مساعد صوتي تشغيل الموسيقى، أو نستخدم تطبيقًا لتعديل الصور بكبسة زر، ندرك أننا لم نعد ننتظر المستقبل… بل نعيشه بالفعل.
الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية، حتى دون أن نلاحظ. من خوارزميات مواقع التواصل التي تقرر ما نراه ونقرأه، إلى التوصيات التي تقترح علينا ما نشتريه أو نشاهده، إلى المساعدين الرقميين الذين يكتبون لنا الرسائل ويردّون على البريد الإلكتروني. قد يبدو هذا مريحًا، لكنه أيضًا مثير للقلق.
كيف وصلنا إلى هذه المرحلة بهذه السرعة؟ وكيف يمكن لعقول رقمية، لا تملك مشاعر ولا أخلاقيات، أن تتحكم في مسارات قراراتنا؟ السؤال الأهم: هل نستخدم الذكاء الاصطناعي لخدمتنا… أم أنه يستخدمنا ببطء دون أن ندري؟
لنأخذ مثالًا بسيطًا: عندما تدخل إلى متجر إلكتروني لشراء كتاب، تقترح عليك الخوارزميات كتبًا تشبه اهتماماتك. في البداية، يبدو هذا ذكيًا ومريحًا، لكن مع الوقت، تجد نفسك محاصرًا بنوعٍ واحد من المحتوى، وتفقد فرصة اكتشاف شيء مختلف. الذكاء الاصطناعي يعزز "الفقاعة" التي نعيش فيها، فلا نخرج منها ولا نوسّع آفاقنا.
لكن في المقابل، لا يمكن إنكار الفوائد المذهلة لهذه التكنولوجيا. فهي تساعد الأطباء في تشخيص الأمراض، وتُستخدم في تطوير أدوية أسرع، وتحسّن من كفاءة الأعمال، بل وتساعد المزارعين في توقع الطقس وزيادة المحاصيل. الذكاء الاصطناعي ليس شريرًا بطبيعته، بل هو أداة. وطريقة استخدامنا له هي ما تحدد النتيجة.
لذلك، نحن أمام مفترق طرق: إما أن نكون مستخدمين أذكياء نعرف كيف نستفيد من الذكاء الاصطناعي ونضع له حدودًا أخلاقية، أو أن نستسلم له ونتركه يعيد تشكيل حياتنا بصمت.
إنه وقت إعادة التفكير في علاقتنا بالتكنولوجيا. لا يجب أن نخاف من الذكاء الاصطناعي، لكن يجب أن نفهمه، ونستخدمه بوعي. لأن المستقبل ليس بعيدًا… إنه هنا، في جيوبنا، وعلى شاشاتنا، وفي قراراتنا.

تم نسخ الرابط