ميت كنانة.. قرية الحرف اليدوية التي غزت أوروبا وقهرت البطالة بالحنة والفراولة

وسط دلتا النيل، وتحديدًا بمركز طوخ بمحافظة القليوبية، تبرز قرية "ميت كنانة" كنموذج فريد للقرية المصرية المنتجة، التي استطاعت أن تقهر البطالة وتتحول إلى قلعة للصناعات اليدوية والزراعة الحديثة، حتى باتت منتجاتها تصل إلى الأسواق السياحية في شرم الشيخ والغردقة والساحل الشمالي، وعدد من الدول الأوروبية والعربية.
تاريخ عريق وأصل عربي
تُعد ميت كنانة من القرى القديمة، وكان اسمها في السابق "منية كنانة"، وتعود تسميتها إلى قبيلة كنانة العربية التي استقرت في المكان خلال القرن السادس عشر. وترتبط القرية بتاريخ الفتح الإسلامي لمصر، حيث يروى أن عمرو بن العاص عسكر في موقعها أثناء توجهه لفتح حصن بابليون، وأمر جنوده بحفر 100 كنانة (مخزن للسهام)، وهو ما كان سببًا في تسمية المنطقة بهذا الاسم تخليدًا للنصر التاريخي.
وقد شهدت القرية تطورًا كبيرًا بفضل اعتمادها على ذاتها، ووعي سكانها بأهمية الإنتاج والعمل، مما أهلها لأن تكون قرية نموذجية تم اختيارها أكثر من مرة على مستوى الجمهورية.
قلعة الصناعات اليدوية من الحنة
اشتهرت ميت كنانة كواحدة من أبرز قرى الجمهورية في الصناعات اليدوية القائمة على نبات الحنة، وعلى رأسها صناعة الشمسيات السياحية، والمشنات، والتندات، والأسقف المصنوعة من سيقان نبات الحنة.
وتضم القرية أكثر من 200 ورشة إنتاجية، يعمل بها الرجال والسيدات جنبًا إلى جنب، في مشهد يعكس التكاتف المجتمعي ودور المرأة الريفية في الإنتاج. وتُصدر منتجات القرية إلى الأسواق السياحية داخل مصر، وتصل كذلك إلى عدة دول أوروبية.
الفراولة.. الذهب الأحمر
تُعد زراعة الفراولة أحد أعمدة الاقتصاد المحلي بالقرية، ويُطلق عليها "الذهب الأحمر" نظرًا لقيمتها التصديرية المرتفعة، حيث يتم جمع المحصول من الأراضي وتجهيزه وتعبئته وتغليفه ثم نقله إلى الأسواق المحلية مثل العبور وبنها، قبل أن يُصدر إلى دول الخليج وأوروبا.
وتحولت زراعة الفراولة إلى صناعة متكاملة في القرية، أسهمت في توفير مئات فرص العمل، لا سيما في مواسم الجمع والتعبئة.
إنتاج العسل وصناعات غذائية متنوعة
تنتشر في ميت كنانة مناحل لإنتاج عسل النحل الطبيعي، مستفيدة من طبيعة المنطقة الزراعية والمناخ المعتدل، ما يساعد على إنتاج عسل عالي الجودة يُنافس في الأسواق المحلية.
كما تحتضن القرية عددًا من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أبرزها صناعة منتجات الألبان وورش تصنيع الأثاث ومشروعات تعبئة وتغليف الخضروات والفواكه.
التعليم والبنية التحتية
تُعد ميت كنانة من أوائل قرى الجمهورية في استخدام الكهرباء، وارتفعت فيها نسبة التعليم لتتجاوز 95%، ويضم معظم سكانها مؤهلات جامعية. كما تنتشر خدمات الإنترنت داخل المنازل، وتعكس البنية التحتية للقرية تطورًا ملحوظًا في مستوى المعيشة والخدمات.
معالم بارزة وشخصيات مؤثرة
من أبرز معالم القرية مسجد الشيخ سيف الدين ومسجد الشيخ محمد أبو النور.
وكنيسة القديسة دميانة والجمعية الزراعية ومركز شباب ميت كنانة المطور.
كما أنجبت ميت كنانة عددًا من الشخصيات المؤثرة، منهم اللواء محمد نسيم، أحد رموز المخابرات المصرية وحلمي زمورا، رئيس نادي الزمالك الأسبق والشيخ محمد الهلباوي، قارئ الإذاعة والشيخ عطا برغوث، من علماء الأزهر.
نموذج للقرية المنتجة
تمثل ميت كنانة نموذجًا ريفيًا ناجحًا يُجسد مفاهيم العمل والإنتاج، حيث استطاعت أن تنتصر على البطالة، وتوظف تراثها في الصناعات اليدوية، إلى جانب التوسع الزراعي الحديث. وقد جرى اختيارها كقرية نموذجية على مستوى الجمهورية أكثر من مرة، نظرًا لحجم إنجازاتها.
في قرية ميت كنانة.. لا مكان للبطالة، فالعمل ثقافة، والإنتاج أسلوب حياة، والنجاح قصة تُروى على أرض الواقع.