عاجل

حين يُصبح الموت مرآة للهوى… والحياه الخاصة مسرح للأحداث وتُكشف الأحزان على موائد الفُضول مات من مات، فانطفأ في القلوب نور، وسكنت الأرواح الحزن، وتلبدت السماء بسكونٍ ثقيل… لكن السوشيال ميديا لم تسكن، ولم تحزن، بل تحولت إلى سوق صاخب، ومسرحٍ يعجّ بالمزايدات والتأويلات، والتكهنات.

ما إن تطرق الفاجعة باب أحدهم، حتى تهرع الأصابع إلى الشاشات، تتسابق في النشر والتعليق، وتتنافس في التحليل والتجريح، وكأن الموت دعوة مفتوحة للتطفل، لا موعظة تهزّ الوجدان، أو تذكر النفس بسلطان الرحيل والحياة الشخصية باتت مستباحة .

فحرمة البيوت تُداس… في زمن اللا إحساس أين ذلك الستر الذي كان شعار الناس؟ وأين ذلك الصمت الذي كان يحيط المصائب بهالةٍ من الوقار والإحساس؟

لقد ذهبت حرمة الموت أدراج الريح، وصار الفقد موسمًا للثرثرة، وحزن الناس فرجةً للتعليقات الساخرة، وألم الأهل مادةً للتحقيقات العابرة.

تُفتَش الصور، وتُنبش الأسرار، وتُرشق البيوت بالاتهام، في زمنٍ ضاعت فيه الحدود، وغابت فيه الرحمة، وسادت فيه الجرأة على الخوض فيما لا يُقال، والادعاء بما لا يحتمل 

خرج علينا جيل من “المحللين”، لا خلفية لديهم إلا الظن، ولا أدوات بأيديهم سوى الشك، ولا غاية لهم إلا خطف الضوء، واقتناص التفاعل.

يتحدث أحدهم عن “الاكتئاب”، ويهمس الآخر عن “الانحراف”، ويجزم ثالثهم بأن الحدث نتيجة “تفكك”، أو “تقصير”، أو “عقاب” إلهيّ مبهم!

يثرثرون باسم العلم، ويصرخون باسم المجتمع، ويُشرّحون حياة من رحل، غير آبهين بمن بَقي، ومن يئنّ، ومن يتحسّس قلبه لئلا ينكسر ومن ترك ومن تُرك 

بعض المنابر، ممن كانت يومًا صرحًا للحكمة، لحقت بالركب، وتنازلت عن القيم.

تتناول المصائب وكأنها أحداث ترفيه، تستضيف “خبراء” يُجيدون الكلام، لا الفهم، وتحول الحدث إلى مادةٍ للتداول والاستهلاك، لا للاتعاظ والصمت.

فأي إعلامٍ هذا؟ وأي ميثاق بقي؟ إذا كانت دموع الأمهات تُوظف لعناوين مثيرة، وألم الفقد يُستخدم لإشباع شهية المتابع الكسول.

أفيقوا… فالموت ليس لعبة، والحزن ليس قصة للتداول

الموت باب سيطرقه الجميع، فكيف نجعله ملعبًا للتخمين والشماتة؟

والألم امتحان للقلوب، فكيف نحيله إلى تريند يُستهلك ثم يُنسى؟

فلنعد إلى أصل الأخلاق، ولنحكم ضمائرنا قبل ألسنتنا، ولنتذكر أن من يرحل يترك وراءه قلوبًا لا تَبرأ، وصدورًا لا تهدأ.

فإن لم نستطع المواساة، فالصمت رحمة، وإن لم نملك الصمت ،فالكفّ عن الأذى عبادة.

تم نسخ الرابط