أزمة الغاز تتصاعد في مصر.. الإنتاج يهبط والواردات الإسرائيلية تتراجع

بعد سنوات من الازدهار الذي أعقب اكتشاف حقل "ظُهر"، تعاني مصر الآن من انخفاض حاد في الإنتاج المحلي، وتراجع ملحوظ في واردات الغاز من إسرائيل، ما فرض ضغوطًا غير مسبوقة على الموازنة والقطاعات الصناعية.
وتكشف "نيوز رووم" في هذا التقرير عن تفاصيل جديدة حول أزمة متفاقمة في سوق الغاز المصري، بدأت ملامحها تتضح منذ عام 2023، لكنها بلغت ذروتها في الأشهر الأولى من 2025.
انخفاض الإنتاج المحلي
وفقًا لوثائق حصلت عليها "نيوز رووم" من الشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس)، انخفض متوسط الإنتاج اليومي من الغاز الطبيعي من نحو 7.2 مليار قدم مكعب في 2021 إلى 5.8 مليار في مطلع 2024، ثم إلى 4.1 مليار قدم مكعب فقط في الربع الأول من 2025.
الأرقام تعكس تراجعًا كبيرًا في إنتاج الحقول الكبرى، وعلى رأسها حقل "ظُهر"، الذي هبط إنتاجه إلى أقل من 1.4 مليار قدم مكعب يوميًا، نتيجة تحديات فنية وانخفاض طبيعي في معدل الضخ، وفق ما أفادت به مصادر مطلعة على سير العمل بالمشروع.
انخفاض الواردات الإسرائيلية
تشير بيانات "وحدة أبحاث الطاقة" إلى أن واردات مصر من الغاز الإسرائيلي انخفضت بنسبة 22% في فبراير 2025 مقارنة بالشهر السابق، وبلغت 732 مليون متر مكعب، رغم الاتفاق الموقع بين القاهرة وتل أبيب في أكتوبر 2024 لزيادة الإمدادات بنسبة 21%. الانخفاض المفاجئ يثير تساؤلات حول أسباب تراجع الإمدادات ومدى التزام الجانبين بالاتفاق.
عبء مالي
تُظهر الوثائق الرسمية أن مصر استأنفت استيراد الغاز المسال منتصف 2024 بعد توقف دام عامين. وقدرت وزارة البترول فاتورة الاستيراد في النصف الأول من العام بنحو 1.5 مليار دولار، مع خطة لجلب 160 شحنة خلال 2025.
وقال الدكتور أحمد جمال الدين، أستاذ التمويل والاستثمار، في تصريح خاص لـ"نيوز رووم":“زيادة الاعتماد على الاستيراد ترفع الضغط على الاحتياطي النقدي، وتزيد العجز التجاري، ما يعقّد حسابات السياسة النقدية والمالية.”
تأثر الصناعة
وانعكست الأزمة مباشرة على القطاعات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة. وأظهرت بيانات هيئة الرقابة على الصادرات والواردات تراجع صادرات الأسمدة بنسبة 17% في الربع الأول من 2024، نتيجة نقص الغاز وارتفاع أسعاره، وهو ما دفع مصانع إلى تقليص إنتاجها.
وأشار جمال الدين إلى أن "الاستثمارات الصناعية تواجه صعوبات في التوسع أو حتى الاستمرار، ما يؤثر سلبًا على الميزان التجاري وقدرة مصر على كسب العملة الصعبة".
توقف الصادرات
وتوقف تصدير الغاز المسال من محطة "إدكو" منذ الربع الأخير من 2023، ما حرم مصر من إيرادات دولارية كانت تعتمد عليها لتمويل وارداتها. ويحذر خبراء من أن استمرار هذا الوضع قد يضعف موقع مصر التنافسي، خصوصًا مع تحركات تركية وإسرائيلية لتعزيز دورها في سوق غاز شرق المتوسط.
خطط حكومية
في محاولة لتجاوز الأزمة، تكشف مصادر مطلعة لـ"نيوز رووم" أن الحكومة تتفاوض مع شركات كبرى مثل أرامكو، أدنوك، سوناطراك، وقطر غاز لتوفير شحنات غاز بشروط مالية ميسّرة، بينها تأجيل السداد لمدة عام. كما تم الاتفاق مع "شل" و"توتال" على توريد 60 شحنة بقيمة تقترب من 3 مليارات دولار.
فجوة كبيرة
تشير تقديرات "إيجاس" إلى أن متوسط الاستهلاك اليومي يبلغ 6.2 مليار قدم مكعب، وقد يصل إلى 7 مليارات خلال الصيف، مقابل إنتاج لا يتجاوز 4.1 مليار، ما يكشف عن فجوة تمويلية وتشغيلية تتطلب تحركات عاجلة.
ما وراء التراجع الإسرائيلي؟
يرى محللون، أن الانخفاض في واردات الغاز الإسرائيلي قد يرتبط بأعمال صيانة أو إعادة توجيه الصادرات نحو السوق الأوروبية، خصوصًا بعد إغلاق حقل "غرونينغن" الهولندي. ورغم ذلك، استوردت مصر خلال الربع الأول من 2025 نحو 1.1 مليون طن من الغاز المسال، أغلبها من الولايات المتحدة.
مستقبل الطاقة
البيانات التي تنفرد "نيوز رووم" بنشرها، تطرح أسئلة كبرى حول مستقبل أمن الطاقة في مصر. وتؤكد مصادر في قطاع البترول أن الخروج من الأزمة يتطلب:
- تسريع تطوير الحقول المكتشفة.
- جذب استثمارات أجنبية جديدة في التنقيب.
- تقليص الاعتماد على الغاز في توليد الكهرباء عبر التوسع في الطاقة المتجددة.
- إصلاح منظومة دعم الطاقة ورفع كفاءة الاستهلاك الصناعي والحكومي.
اختبار للدولة
ما تمر به مصر اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة على بناء منظومة طاقة أكثر مرونة واستدامة. التراجع الحاد في الإنتاج والواردات معًا، إذا لم يُقابل بخطط إصلاح عاجلة، قد يُفقد مصر أحد أهم مزاياها الجيوسياسية في شرق المتوسط.