اقتصادي: تراجع الدين الخارجي لمصر يعكس نجاح الإصلاحات ويعزز قدرة الحكومة

يُعد الدين العام، وبخاصة الخارجي، من أبرز الملفات الاقتصادية التي تحظى باهتمام واسع في مصر، نظرًا لتأثيره المباشر على الاستقرار المالي والسيادة الاقتصادية. وقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في حجم الدين الخارجي بسبب الأزمات العالمية المتلاحقة، وعلى رأسها جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من اضطرابات في سلاسل التوريد وزيادة أسعار الطاقة والغذاء عالميًا، ما أدى إلى ارتفاع فاتورة الاستيراد وتراجع تدفقات النقد الأجنبي.
إصلاحات اقتصادية تعزز الثقة وتدعم الاستقرار
في هذا السياق، كثّفت الحكومة المصرية جهودها لتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية، كان أبرزها اعتماد نظام سعر الصرف المرن بالكامل، وعقد عدد من الاتفاقيات مع مؤسسات دولية لجذب استثمارات مباشرة ودعم الاحتياطي النقدي. وأسفر ذلك عن تحسّن نسبي في مؤشرات الاقتصاد الكلي خلال النصف الأول من عام 2024، خاصة مع إعلان البنك المركزي تراجع الدين الخارجي بنسبة تقارب 10%، في مؤشر يُعد الأول من نوعه منذ سنوات.
الجرم: تراجع الدين يعكس نجاح السياسات
قال الدكتور رمزي الجرم، الخبير الاقتصادي، إن الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي لا يزال يمثل أحد أبرز التحديات أمام صانعي السياسات في مصر، خصوصًا بعد تسارع وتيرته بشكل غير مسبوق عقب اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، وما تبعها من اضطرابات جيوسياسية أدت إلى تعطل سلاسل التوريد وزيادة تكلفة الاستيراد.
أرقام مشجعة وتحول نوعي في المؤشرات
وأوضح الجرم في تصريح خاص لموقع "نيوز رووم"، أن أحدث تقرير للبنك المركزي كشف عن تطور نوعي يتمثل في تراجع الدين الخارجي بنحو 15.1 مليار دولار، بنسبة 9.9% خلال النصف الأول من عام 2024، ليسجل 152.9 مليار دولار بنهاية يونيو مقابل 168 مليارًا في ديسمبر 2023، وهو ما يُعد مؤشرًا إيجابيًا يُعزز الثقة في أداء الاقتصاد المصري.
سياسات نقدية مرنة تنعكس إيجابًا على السوق
وأضاف أن هذا التراجع جاء نتيجة حزمة من الإصلاحات المالية والنقدية، أبرزها اعتماد سياسة سعر الصرف المرن بشكل كامل، وتوافر موارد دولارية كافية ساعدت في القضاء شبه الكامل على السوق السوداء، مما ساهم في تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية، وفي مقدمتها صفقة رأس الحكمة.
هيكل الدين يتحسن ومؤشرات الاستدامة تتصاعد
وأشار الجرم إلى أن هيكل الدين الخارجي يُظهر مؤشرات إيجابية، حيث يشكل الدين طويل الأجل 83% من إجمالي الدين الخارجي، مما يمنح مساحة أفضل للتخطيط المالي. كما انخفضت أرصدة ديون الحكومة والبنك المركزي بشكل لافت، بينما شهدت ديون البنوك ارتفاعًا طفيفًا.
تراجع الدين العربي وصفقة رأس الحكمة تلعب دورًا محوريًا
ولفت إلى أن الدين المستحق للدول العربية انخفض أيضًا من 47.3 إلى 28.1 مليار دولار، نتيجة التنازل عن ودائع إماراتية بقيمة 11 مليار دولار ضمن اتفاقية صفقة رأس الحكمة.
تحذيرات من تحديات قادمة رغم التقدم
ورغم هذه التطورات الإيجابية، حذر الجرم من تحديات قادمة، منها احتمالات خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة بقيمة تُقدر بـ30 مليار دولار مع اتجاه السياسة النقدية للتخفيف، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية التي قد تفرض ضغوطًا جديدة على الاقتصاد.