الكائن الأسطورة ونشاط محتمل
في إحدى زوايا الكون يعيش وتحديدا في كوكب الأوهام الكبرى ولدت شخصيته بما لا يشبه البشر بل يعد نفسه جنسا قائما بذاته إنه الأسطورة صحيح يتنفس الأكسجين لكنه يعيش على الشائعات ويزدهر ويترعرع على الأقاويل ويموت فور استنشاق جزيء صغير من الحقيقة ..نعم الحقيقة بالنسبة إليه ليست سوى مادة سامة تدخله في حالة انهيار فكري تشبه انفجار بالونة غرور أمام دبوس الواقع.
ليس بحاجة إلى إنجازات فهو يصنعها بنفسه في رأسه ويوزعها على جمهوره الافتراضي كما توزع الشوكولاتة في الأعياد شخصية ترى في نفسها الخليط المثالي لأنها ذات يوم نظرت في المرآة وقالت: "أنا عظيمة إذن أنا موجودة" وتدعي أنها ساهمت في حل أزمات الشرق الأوسط وأن اتصالًا هاتفيًا منها أنقذ الاقتصاد العالمي من الانهيار وعندما تسألها عن مصدر هذه المعلومات ترد بعينين نصف مغمضتين ونبرة عميقة: "سمعت الناس بيقولوا".
إن الشائعة بالنسبة للأسطورة ليست مجرد خبر بل وجبة متكاملة فهي تشربها صباحا مع القهوة وتلوكها ظهرا على منصات التواصل وتنام وهي تحلم بتصدر ترند لمجرد أنها غيرت صورة ملفها الشخصي وإذا صادفها أحدهم بالحقيقة - لا قدر الله - تبدأ علامات الانهيار تظهر كأنك أطفأت النور في غرفة مليئة بالمرايا الحقيقة بالنسبة لها ليست وجها آخر للواقع بل مؤامرة مدبرة ومخطط خفي لتشويه عظمتها وتتهم كل من يقول الحقيقة بالحقد والغيرة وربما بالتآمر الدولي خصوصا إذا كان من الأقارب.
ومن صفات تلك الشخصية أيضا أنها كائن اجتماعي افتراضي تحب الإعجابات كما يحب السمك الماء وتعيش على عدد المشاركات كما يعيش مصاصو الدماء على الدم وعلاقتها بالتواضع علاقة طلاق بائن لا رجعة فيه وتراها تكتب في تعريفها الشخصي على مواقع التواصل: "أنا مختلفة لا أحد يشبهني" وهو ما نوافق عليه تماما فالحمد لله ألا أحد يشبهها فعلا تطفو فوق السطور تكتب عن نفسها بلغة ثالثة لا يفهمها إلا المتورطون في وهم الذات وهي لا تنتظر التقدير من الآخرين فهي تقدر نفسها بما يكفي للجميع وتمنح نفسها الجوائز والأوسمة والتصفيق وتبكي من شدة تأثرها بنفسها كلما نظرت في المرآة.
ببساطة.. نحن أمام كائن لا يعترف بالهزيمة لأنه لا يعترف بالواقع أصلا وإذا سألتها من أين لها بكل هذا الغرور سترد عليك بجملة شهيرة محفورة في جدار الوهم: "مش مهم الحقيقة.. المهم الناس بتقول إيه".
وتنشط تلك الشخصية عادة في حال إذا شعرت أن أمامها على يقين أومبدأ وساعتها تبذل أقصى ما في وسعها لإرباكه أو على الأقل زرع الشك في ما يعتقد حتى يتسنى أن تعيش قليلا على حسابه وتمنح الفرصة لضحيتها لينها مما أفاء الله به عليها من فتوح ونورانيات ولها قدرة فائقة علة إعادة ما تراه عينيه أو يعيه عقلها على غير الحقيقة وتظن كل الظن أنها إن صدقت ما يقال لها مجرد محاولة استغباء لابد أن تكون يقظة أمامها ومستعدة بقوة مضادة تحطم تلك الحقيقة حتى لا تنهار الفقاعة التي تعيش فيها وتكتشف ضآلة حجمها ونذالة أهدافها.
لقد عانت مصر من تلك الشخصيات التي تتوالد كما تتكاثر كالطفيليات وكتب لسعيها النجاح نتيجة تلك الفجوة التي تعاظمت بين الشعب والقيادة فسمحت وتركت مساحة لتصديق كل ما يمرر من دعاوى ملونة بلون الخداع أما اليوم فقد جسرت تلك الفجوة وتتحدث القيادة السياسية في كل صغيرة وكبيرة حول ما نواجهه من صعوبات وتحديات بكل شفافية فمات سوق الشائعات وأصبحت بضاعته فاسدة في ضمائر الناس فركدت تلك البضاعة فلا تجد لها مشتريا اليوم سوى حاقد أو راغب في الثأر من المصريين.
ومن هنا ونحن نواجه أياما صعبة نسدد فيها ثمن الكرامة وثمن الشرف في المواقف وثمن الثبات على المبادئ ستنشط تلك الكائنات الطفيلية من جديد في محاولة لاستعادة عرشها المسلوب لكن وبالتأكيد ستكون معركة خاسرة فإن الله لا يصلح عمل المفسدين وسيبقى من هو على الحق المبين ينعم بيقينه لايلتفت يمينا أو يسارا وعلى الباغي تدور الدوائر.