التحول من الدعم العيني إلى النقدي بين الطموح الاقتصادي والتحديات المجتمعية|خاص

في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها الدول، أصبحت خطة الحكومة للتحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي لحوكمة منظومة الدعم وضمان الوصول للفئات المستحقة فقط، من أبرز القضايا المثيرة للجدل بين صناع القرار.
فبينما تسعى الحكومة إلى ترشيد الإنفاق وتحقيق التوازن المالي، يبرز التساؤل حول مستقبل الدعم العيني: هل ستتخلى عنه الحكومة؟ أم ستعيد النظر في آلياته وتطبيقه؟خاصة أن في عام 2011، ارادت الحكومة المصرية تطبيق الدعم النقدي، وبالفعل أجرت دراسة ميدانية على 5 الاف أسرة ولكن الدراسة كشفت عن رفض مجتمعي واسع للمقترح، لأن الأموال عادة تتراجع قيمتها بمرور الوقت.
هذا الملف يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة تتعلق بالعدالة الاجتماعية، والاستقرار الاقتصادي، وفعالية السياسات العامة، ما يستوجب دراسة متأنية لتبعات هذا التحول على مختلف فئات المجتمع.
تصريحات متباينة ومواقف متعددة:
قال الدكتور طلعت عبد القوي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، في تصريحات لـ "نيوز روم"، إن الجلسات المتعلقة بملف الدعم متوقفة حالياً، ولم يتم تحديد موعد لاستئنافها، مؤكداً أنه لم يُتخذ أي قرار رسمي حتى الآن بشأن عرض المقترحات على مجلس الوزراء، والذي يملك الكلمة النهائية في اعتمادها أو تعديلها.
من جانبه، صرّح الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن تطبيق منظومة الدعم النقدي بشكل شامل في مصر سيبدأ اعتباراً من العام المالي 2026-2027، مشيراً إلى أن محافظة بورسعيد ستكون أولى المحافظات التي ستُجرى فيها التجربة باعتبارها منطقة صغيرة نسبياً، ما يسهل تقييم التحديات ومعالجتها قبل تعميم النظام على مستوى الجمهورية.
وأوضح الفقي، أن موازنة العام المالي 2026-2027 في حال تطبيق الدعم النقدي ستتضمن 75 مليار جنيه للدعم، مقارنة بـ 160 مليار جنيه في العام الجاري، لافتاً إلى أن نحو نصف هذا المبلغ كان يذهب لغير المستحقين.
وأضاف أن الدعم النقدي، سيُصرف من خلال "كارت موحد"، يُتيح للمواطن الحصول على دعم المحروقات ورغيف الخبز، وسيتم تفعيله مع بدء تطبيق المنظومة.
وكشف مصدر في وزارة التموين والتجارة الداخلية أن تطبيق منظومة الدعم النقدي ما زال قيد الدراسة، ويعتمد تنفيذه على نتائج الحوار المجتمعي.
وأشار إلى أنه من الممكن تأجيل التطبيق وعدم اعتماده خلال العام المالي المقبل إذا لم يحصل على التأييد الكافي.
وأوضح المصدر أن قيمة الدعم النقدي ستكون مُعادلة لما يحصل عليه المواطن حالياً من دعم السلع التموينية والخبز معاً، وستخصص للفئات نفسها المستفيدة حالياً من الدعم العيني، مع التأكيد على أن قيمة الدعم ستراجع بشكل دوري لمواكبة معدلات التضخم.
وأضاف أن التحول إلى الدعم النقدي المشروط سيشمل شراء نحو 32 إلى 35 سلعة أساسية، مع إمكانية إدراج خدمات إضافية ضمن منظومة الدعم، في حين سيبقى سعر الخبز ثابتاً دون تغيير.
وفي السياق ذاته، أشار النائب عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة، إلى أن هناك مناقشات جرت داخل الحوار الوطني، لكنها لم تكتمل، والحكومة قررت تأجيل اتخاذ القرار مؤقتاً لغياب خطة تنفيذ واضحة.
يرى إمام أن الدعم النقدي أكثر فاعلية من الدعم العيني، إذ يسهم في تقليل الهدر وتحقيق كفاءة الإنفاق، لكنه أشار إلى أن اتخاذ مثل هذا القرار في ظل معدلات التضخم المرتفعة حالياً يمثل تحدياً كبيراً.
كما أرجع الدكتور فخري الفقي احتمالية بدء تطبيق الدعم النقدي إلى توقعات بانخفاض أسعار الفائدة والتضخم في 2026-2027، إضافة إلى الانتهاء من الدراسات اللازمة لاتخاذ القرار المناسب.
مقارنات دولية وتخوفات محلية:
أوضح الخبير الاقتصادي عبد العزيز السيد أن الدعم النقدي أثبت نجاحه في العديد من الدول، مثل البرازيل وتركيا، حيث أدى إلى تحسين كفاءة توزيع الدعم وضمان وصوله للفئات المستحقة، لكنه أكد على ضرورة توافر قاعدة بيانات دقيقة، وربط قيمة الدعم بمعدلات التضخم، وضبط الأسواق.
ولفت إلى أن البرازيل بدأت تطبيق نظام الدعم النقدي المشروط وغير المشروط عام 2015 بعد أن عانت من أزمة غذائية في 2014، فيما بدأت تركيا تطبيق هذا النظام منذ عام 2002 كجزء من برنامج إصلاحي اقتصادي شامل.
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي رشاد عبده أن التحول إلى الدعم النقدي، في مصر قد يشكل أزمة للمواطنين إذا لم تتدخل الدولة بضوابط حاسمة لضبط الأسعار، خاصة للسلع الأساسية، محذراً من أن غياب تسعير واضح سيمنح التجار فرصة لاستغلال المواطنين.
وأكد عبده أن الدعم العيني يبقى الخيار الأنسب في الوقت الراهن، كونه يضمن للفئات الأكثر احتياجاً الحصول على السلع الأساسية دون احتكار أو تلاعب.
وأشار إلى أن تطبيق الدعم النقدي قد يؤدي إلى زيادة التضخم نتيجة زيادة السيولة، مما يقود إلى ارتفاع الأسعار.
وشدد على أن نجاح الدعم النقدي في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا يعود إلى وجود نظام اقتصادي تنافسي ورقابة صارمة على الأسواق، وهو ما تفتقر إليه السوق المصرية في الوقت الحالي، التي لا تزال تعاني من احتكار سواء في الإنتاج المحلي أو في السلع المستوردة.
مزايا وعيوب الدعم النقدي
أظهرت دراسة صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في 2004 بعض المزايا والعيوب للدعم النقدي.
من بين المزايا المساهمة في خفض عجز الموازنة العامة وتوفير حرية الاختيار للمستفيدين في شراء السلع
وأشارت الدراسة إلى أن الحصول على الدعم النقدي يدفع المواطنين لإعادة التفكير في أنماط استهلاكهم، خاصةً أن السلع المدعومة قد تعود إلى أسعارها الحقيقية.
لكن الدراسة أشارت أيضًا إلى عيوب الدعم النقدي، مثل عدم وجود بديل قوي لمواجهة الأزمات في حال إلغاء بطاقات التموين، كما أن تطبيقه قد يرفع معدلات التضخم، ويؤدي إلى تسريح بعض العمالة المرتبطة بمنظومة الدعم.