في خطوة جديدة نحو ترسيخ دعائم الدولة الإنتاجية الحديثة، جاءت لحظة افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي للمرحلة الأولى من مدينة "مستقبل مصر الصناعية"، وانطلاق موسم حصاد القمح من مشروع "مستقبل مصر" للإنتاج الزراعي لتجسد رؤية مصر الطموحة نحو اقتصاد قائم على التصنيع والتكامل بين الزراعة والصناعة في لحظة تحمل بين تفاصيلها ملامح الغد، حيث تتحول الصحراء إلى واحات إنتاج، ويعاد رسم خريطة التنمية بأدوات العلم والعمل، بقيادة تؤمن بأن المستقبل يصنع ولا ينتظر، وكأن المشهد يروي حكاية أمة قررت أن تمسك بخيوط المستقبل بيد، وتزرع سنابل الأمل باليد الأخرى، في تناغم يليق بمصر التي قررت أن تكتب سطور نهضتها بقلم الإرادة ورؤية القيادة.
ففي أرض كانت قاحلة يوما ما، تسير اليوم آلات الحصاد وتعلو قباب المصانع، ويهتف فيها الإنسان المصري بأعلى صوته: "نحن نصنع مستقبلنا بأيدينا"، إنها مصر التي تعود إلى الريادة لا بالكلمات، بل بالمنجزات، مصر التي ترفض أن تكون مجرد مستهلك لما ينتج في الخارج، وتصر على أن تكون من كبار المنتجين والمصدرين.
لم يعد مشروع "مستقبل مصر"، مجرد اسم لمبادرة تنموية أو مخطط اقتصادي ضمن مشروعات الجمهورية الجديدة، بل أصبح عنوانا لحقبة وطنية جديدة، ترسم معالمها على الأرض بكل ما تحمل الكلمة من واقعية ومصداقية فعندما نرى الرئيس بنفسه يزرع، ويحصد، ويقف بين الفلاحين والعمال والمهندسين، فإننا ندرك أن المشروع ليس فقط استثمارا في الزراعة أو الصناعة، بل هو استثمار في الإنسان، في الكرامة، وفي السيادة الوطنية.
ما يميز مشروع "مستقبل مصر" للإنتاج الزراعي، والذي يأتي ضمن نطاق المشروع القومي العملاق "الدلتا الجديدة"، أنه يخاطب احتياجات الوطن لا من منطلق الأرقام والميزانيات فقط، بل من عمق الفلسفة التنموية التي ترتكز على تحقيق الأمن الغذائي كأولوية استراتيجية لا تقل أهمية عن الأمن القومي في ساحات المعارك فالأمن الغذائي هو الحصن الحصين لاستقلال القرار الوطني، وهو السياج الذي يحفظ استقرار المجتمعات، و تحويل آلاف الأفدنة من أرض الصحراء الغربية إلى واحات إنتاج زراعي، عبر شبكة بنية تحتية متكاملة من الطرق، والمياه، والطاقة، ليس إنجازا هندسيا فحسب، بل هو فتح حضاري، يعيد تشكيل خريطة الزراعة المصرية، ويحرر الاقتصاد الوطني من تقلبات الأسواق الخارجية.
ومع انطلاق موسم حصاد القمح من هذه الأراضي الجديدة، يشعر المصريون جميعا بأن رغيف الخبز الذي طالما كان في قلب معادلة العدالة الاجتماعية، أصبح محميا بإرادة وطنية لا تكل، و بعرق فلاحي المستقبل، في رسالة واضحة بأن مصر الجديدة تزرع لتأكل، وتنتج لتملك قرارها، ولا تنتظر منة من أحد.
وفي التوازي الزمني البليغ، جاءت مدينة "مستقبل مصر الصناعية" لتكمل دائرة المشروع، فكما أن الزراعة هي قلب التنمية، فإن الصناعة هي عقلها وروحها الدافعة، وإنشاء مدينة صناعية متكاملة، تعتمد على أحدث معايير التخطيط والتكنولوجيا، وتوفر فرص العمل اللائقة، وتستقطب رؤوس الأموال والشركات، نكون قد خطونا خطوة جديدة نحو تمكين الدولة الوطنية من خلق اقتصاد إنتاجي قادر على المنافسة عالميا.
إن مدينة "مستقبل مصر الصناعية" ليست فقط تجمعا للمصانع، بل هي مدرسة جديدة للتنمية، تجسد مفاهيم القيمة المضافة، وسلاسل الإنتاج، وربط المواد الخام بالمصانع، والمصانع بالأسواق، في منظومة متكاملة تؤمن بقدرة المواطن المصري على الإنتاج، والإبداع، والابتكار، وأثبت الرئيس عبد الفتاح السيسي أن القيادة ليست فقط إصدار قرارات، بل هي القدرة على تحويل الحلم إلى خريطة، والفكرة إلى مشروع، والطموح إلى واقع ملموس، وخلال السنوات الأخيرة، رأينا مشروعات كانت تعد ضربا من الخيال، تتحول إلى منارات مضيئة في سجل الدولة المصرية، ورأينا كيف تبني الدول بالإصرار والتخطيط والتضحية، لا بالشعارات المؤقتة.
إن افتتاح المرحلة الأولى من مدينة "مستقبل مصر الصناعية" ليس فقط تدشينا لمدينة جديدة، بل هو إعلان جديد بأن الجمهورية الجديدة، تؤمن بأن التنمية الشاملة لا تعرف التوقف، وأن مصر لا تنتظر أحدا، بل تسبق زمانها، وتعيد رسم جغرافيتها الاقتصادية بما يتناسب مع ثقلها الحضاري ودورها الإقليمي والدولي ، والمشهد الكامل لمشروع "مستقبل مصر"، بما يحتويه من محاور زراعية وصناعية وخدمية، يؤكد أن مصر قد دخلت مرحلة جديدة من التنمية لا ترتكز فقط على الإصلاح الاقتصادي، بل تتجاوز ذلك إلى بناء نموذج متكامل للتنمية المستدامة، يستوعب طموحات الأجيال القادمة، ويرسخ مفاهيم الاستقلال الإنتاجي والسيادة التنموية.
واليوم، ونحن نشهد هذه المشروعات تتفتح كزهور الأمل في قلب الصحراء، علينا أن ندرك أن المستقبل لا يمنح بل ينتزع، ولا يهدي بل يبني، وأن مصر، بقيادتها وشعبها، قد قررت أن تضع مستقبلها بين يديها، وتصنعه بعرق أبنائها، وإبداع عقولها، وتضحيات رجالها.
لقد بدأ الحصاد.. وها هي مصر تجني أولى ثمار رؤيتها الاستراتيجية التي جمعت بين التنمية الزراعية والصناعية، في تلاحم لا يتحقق إلا في دول تؤمن بأن السيادة الحقيقية تبدأ من امتلاك أدوات الإنتاج، فليكن "مستقبل مصر" عنوانا للواقع، لا مجرد مشروع، ولتكن هذه المرحلة بداية لعصر جديد، تنبض فيه الأرض بالخير.