عاجل

اعتاد الناس في وقت الأزمات والحروب أن يعقد الرئيس اجتماعًا مع قادة جيشه والوزراء المسئولين عن تأمين احتياجات الشعب من مأكل ومشرب وغيره، لكن تلك الصورة يبدو أنها تغيّرت بتغير الأولويات والاهتمامات فلم يعد القائد يحتاج إلى قادة جيشه فقط لرسم مستقبل بلاده بل بات يحتاج إلى قادة آخرون هم من سيحددون بوصلة الوطن وإلى أي شئ يطمح.


هذا بالضبط ما حدث في الصين منذ أسبوعين، ففي ظل الحرب التجارية التي تخوضها بكين ضد واشنطن وهي حرب أشرس من الحروب التقليدية إذ ان الاقتصاد هو اليد العليا في رسم مستقبل أي بلد الآن وتهاويه يعني ضياع البلد نفسه، المهم أن في ظل تلك المعارك اليومية من تصريحات وإجراءات عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال الأيام الماضية اجتماعًا نادرًا مع عدد من كبار المسئولين التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا من ضمنهم "جاك ما" مؤسس شركة علي بابا و"ليانغ وينفينغ" صاحب "ديب سيك".


اجتماع بهذا المستوي الرفيع وبحضور الرئيس الصيني لم يكن من فراغ أو بلا هدف، فبحسب ما نشرته وكالة بلومبيرغ الألمانية، تستهدف الحكومة الصينية دعم استثمارات الذكاء الاصطناعي حتى لا يتأثر بحرب الرسوم الجمركية مع أمريكا، وتراهن بكين على أن الذكاء الاصطناعي هو ما سيضمن لها الريادة العالمية وبالتالي فهذا الملف حياة أو موت والدليل أن الحكومة الصينية أيضًا خصصت صندوق استثماري للذكاء الاصطناعي بقيمة 8.2 مليار دولار، والهدف الأساسي دعم هذا القطاع في مواجهة أي تقلبات في السوق.


على الجانب الآخر تعتمد الصين على شعبها أيضًا في تحقيق التفوق على أمريكا، إذ كشفت أبحاث الأمم المتحدة أن الشعب الصيني هو الأكثر حماسًا في العالم تجاه إمكانات الذكاء الاصطناعي وأن 83% من البالغين في الصين يرون أن المنتجات والخدمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تحقق فوائد أكثر، وهذه أعلى نسبة عالميًا مقارنة بـ39% فقط في أمريكا، بالإضافة إلى اقتناعهم أن الذكاء الاصطناعي غيّر حياتهم اليومية بشكل جذري خلال الثلاث سنوات الماضية.


انتشار الذكاء الاصطناعي في الصين لم يتوقف عند طبقة بعينها أو ينحصر فقط في أروقة الشركات التكنولوجية، فالمزارعون الصينيون مثلًا ورغم تواضع شهاداتهم التعليمية لكنهم باتوا يعتمدون على تقنيات الذكاء الاصطناعي في أعمالهم ويعرفون من خلال التطبيقات موعد الأمطار الغزيرة وطرق المواجهة وكيفية الاستفادة القصوى من كل حدث.


على الجانب البحثي ورغم تفوق الولايات المتحدة الأمريكية في تطوير نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي، لكن الصين تحاول نشر الأدوات التقنية على نطاق واسع وهذا الانتشار الجماعي يمنحها ميزة تنافسية أكبر.


ماذا يعني كل ما سبق، وما فائدة هذا؟، نعود إلى الحرب التجارية الشرسة بين أمريكا والصين في الوقت الحالي وهي حرب تُدرك الأخيرة جيدًا أن لها تأثير قوي على الاقتصاد وسينالها الضرر خاصة في قطاع التصدير، كما تدرك الصين أن الوصول إلى الرقائق الإلكترونية المتطورة وتوفير قدرات حوسبية ضخمة صار أبرز التحديات في الوقت الحالي في ظل القيود الأمريكية.


لهذا عملت الصين من خلال أكثر من مسار، أوله دعم شركات الذكاء الاصطناعي لإنقاذه من أي عثرة وهو ما تجسد في صندوق مخصص له ولقاء مع الرئيس في إشارة إلى الطمأنة والدعم، والمسار الثاني أن الشعب الصيني الذي بات أكثر استخداًمًا للذكاء الاصطناعي صار يجسد سوق ضخم في بلد تعداده 1.4 مليار نسمة، وهذا يؤمن عمل الشركات التكنولوجية ويعزز أرباحها بدون الحاجة إلى واشنطن.


تبقى المشكلة الرئيسية في الرقاقات المتطورة والتي قد يكون هناك تضييق حولها، لكن وفقًا لتحليل "بلومبرغ إنتلجينس" فإن هذا التأثير سيظهر على المدى الطويل أما في الفترة الحالية فعمالقة التكنولوجيا بما فيهم شركات مثل علي باب وهواوي لديهم بالفعل مخزون كافِ من الرقائق لتخفيف تأثير هذه الإجراءات.


هكذا باتت تستعد الدول في وقت الحروب والأزمات فلم يعد الأمر مقتصرًا على السلع الاستراتيجية وتأمين أموال لمواطنيها، بل صار الأهم تأمين تكنولوجيا قادرة على الصمود وهذا ما بدأته الصين التي لم تكتفي فقط بتأمين تقنياتها وأنظمتها التكنولوجية بل عملت من اجل استمرار التطور حتى في أشد اللحظات صعوبة وهذا ما يصنع الدول الكبرى.

تم نسخ الرابط