بعد التصعيد بين الهند وباكستان.. هل يستفيد السلاح الصيني من توتر الأوضاع؟

في صباح 7 مايو 2025، أطلقت الهند عملية "سيندور" القتالية، والتي اشتملت على سلسلة منسقة من الضربات الجوية والصاروخية ضد ما وصفته بالبنية التحتية للإرهاب في باكستان والشطر الخاضع لإدارة إسلام آباد من كشمير. وجاءت هذه العملية في أعقاب حادث إطلاق نار جماعي في 22 أبريل الماضي في إقليم كشمير المتنازع عليه بين الدولتين، مما أسفر عن مقتل 26 مدنياً، واتهام الهند لتنظيمات إرهابية توجد على الأراضي الباكستانية بالوقوف وراءه.
وخلال هذه العملية القتالية، دخلت نيودلهي وإسلام آباد في واحدة من أكبر المواجهات الجوية بين البلدين منذ استقلالهما عام 1947 عن الاحتلال البريطاني. وفي هذا السياق، صرح مسئول باكستاني بأن أكثر من 125 طائرة مقاتلة هندية وباكستانية شاركت في اشتباك جوي استمر لأكثر من ساعة، دون خرق للمجال الجوي لأي من البلدين، فيما قد يكون أحد أكبر المعارك الجوية في التاريخ الحديث.
وبعد ذلك، فوجئ العالم بوزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار يصرح بأن بلاده، في هذه المواجهة الجوية التي حدثت بين الجانبين، أسقطت خمس طائرات تابعة لسلاح الجو الهندي من بينها ثلاث مقاتلات "رافال" فرنسية الصنع، وطائرتين "ميج-29" و"سو-30" روسيتين الصنع بواسطةِ مقاتلات صينية من طراز "تشنجدو جيه -10 سي" Chengdu - J-10C.
وإذا تم تأكيد ذلك، فسوف يكون ذلك المرة الأولى التي تشارك فيها مقاتلة صينية من عائلة "J-10" في القتال، كما سيكون ذلك أيضاً المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط طائرة "رافال" الفرنسية المتطورة في معركة جوية مباشرة. فحتى هذا الاشتباك الجوي الأخير بين الهند وباكستان، كانت مشاركة المقاتلة الفرنسية المذكورة مقتصرة على غارات ضد أهداف أرضية في حروب غير متماثلة كما في أفغانستان وليبيا، وهو الأمر الذي قد يثير تساؤلات حول محدودية فاعلية أنظمة الحماية على متن مقاتلة "الرافال"، وعلى رأسها منظومة "سبيكترا" Spectra للتشويش الإلكتروني المصممة لحمايتها من التهديدات الصاروخية، التي تُعتبر من أبرز نقاط قوة المقاتلة الفرنسية.
وفي الوقت نفسه، ستكون المواجهة الجوية الأخيرة بين الدولتين بمثابة "أول اختبار حقيقي" لمقاتلة "الرافال" في مواجهة مقاتلة صينية سعرها أقل كثيراً من نظيرتها الفرنسية، ومسلحة بأنظمة إلكترونية وصواريخ جو - جو متقدمة، يمكن إطلاقها من خارج مدى الرؤية من على بعد يتجاوز 100 ميل.
ورغم نفي نيودلهي لتصريحات باكستان بشأن إسقاط المقاتلات الهندية، إلا أن استخدام إسلام آباد للمقاتلات الصينية في مواجهة المقاتلات الفرنسية والروسية، التي تمتلكها الهند، يجعل من هذا الاشتباك "حدثاً فارقاً" في تاريخ المواجهات الجوية في منطقة جنوب آسيا، بل وربما في العالم كله، وهو الأمر الذي سوف تكون له، على الأرجح، تداعيات طويلة الأمد ليس فقط على موازين القوى العسكرية في هذه المنطقة الحيوية، وإنما أيضاً على أي صراعات مستقبلية بين الولايات المتحدة والصين، خاصة في تايوان وبحر الصين الجنوبي، فضلاً عن تأثيرات ذلك المحتملة أيضاً على سوق السلاح العالمي.
تغير جيوسياسي هائل
تروي الطائرات المقاتلة التي تستخدمها الهند وباكستان على التوالي قصة تغير جيوسياسي هائل خلال السنوات الأخيرة. فمن جهة، طالما اعتمدت القوات الجوية الهندية اعتماداً كبيراً على المعدات الروسية، التي كانت إرثاً من حقبة الحرب الباردة، عندما انحازت نيودلهي إلى حد كبير إلى الاتحاد السوفيتي السابق. وبعد إنتهاء الحرب الباردة، تراجعت مبيعات الأسلحة الروسية إلى حوالي نصف واردات الهند فقط بين عامي 2015 و2019، بعدما كانت حوالي 72% في السنوات الخمس السابقة، وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI، حيث بدأت الهند جهودها لتنويع ترسانتها العسكرية في اتجاه زيادة الاعتماد على السلاح الغربي. وفي عام 2024، تشير أرقام معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI إلى أن الغرب استفاد بشكل كبير من تحول بوصلة المشتريات العسكرية الهندية، حيث استحوذت فرنسا على 33% من مبيعات الأسلحة إلى الهند في السنوات الخمس الماضية، بينما شكلت إسرائيل 13%، والولايات المتحدة 10%. وفي غضون ذلك، انخفضت حصة روسيا من هذه المبيعات إلى 36% (مع أن المعدات العسكرية الهندية الحالية لا تزال روسية في أغلبها). ويفسر المراقبون صعود فرنسا في قائمة موردي السلاح الهندي في ضوء شراء نيودلهي 36 طائرة "رافال"، تم تسليمها بين عامي 2020 و2022 كجزء من صفقة بين الحكومة الهندية وشركة داسو الفرنسية. كما وقعت الهند أيضاً، بعد ذلك، عقداً آخر لشراء 26 طائرة "رافال" إضافية.
وبالتزامن مع ذلك، تعكس سياسة الهند لتنويع مصادر التسليح بعيداً عن روسيا أيضاً علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، خاصة وأن هذه العلاقات تحسنت باضطراد في عهد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي تولى السلطة في عام 2014. فعلى سبيل المثال، أسفرت زيارة مودي إلى واشنطن في يونيو 2023، خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، عن صفقة مع شركة جنرال إلكتريك الأمريكية لتصنيع محركات لمقاتلات "تيجاس" الهندية المحلية بشكل مشترك، بالإضافة إلى بيع 31 طائرة بدون طيار من طراز "MQ-9B Guardian" من شركة جنرال أتوميكس. كما قدمت شركتا الطيران الأمريكيتان العملاقتان لوكهيد مارتن وبوينج عروضاً قوية على طائراتهما المقاتلة "F-16" و "F / A-18" على التوالي، ليتم إدخالها في الجيش الهندي منذ ما يقرب من عقد من الزمان، كما فعلت الشركة المصنعة السويدية ساب، لكن الهند اختارت في النهاية طائرات "رافال" بدلاً من ذلك.
ومن جهة ثانية، سلكت باكستان مساراً معاكساً في سياسات التسليح الخاصة بها، تمثلت في التحول من الغرب إلى الشرق. إذ شكلت طائرات "F-16" الأمريكية الصنع (من بين معدات أمريكية أخرى) "الركيزة الأساسية" في سلاح الجو الباكستاني منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، عندما وافق الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان على بيع أربعين طائرة منها لمساعدة باكستان في قتال الاتحاد السوفيتي في أفغانستان المجاورة. وأصبحت هذه المقاتلات الأمريكية دعامة سلاح الجو الباكستاني، ومقياساً لقوة العلاقات الأمريكية-الباكستانية، خاصة مع توقف مبيعاتها عدة مرات - إلى جانب المساعدات العسكرية الأوسع - في العقود التالية، تزامناً مع تدهور العلاقات الثنائية بين إسلام آباد وواشنطن، والتي وصلت إلى "أسوأ مراحلها"، بعد تعليق إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى عام 2018، معظم المساعدات الأمنية لباكستان بسبب مخاوف من دعمها للإرهاب.
وبالتزامن مع ذلك، انعكس تقارب باكستان المتزايد مع الصين - الخصم اللدود لواشنطن - في مشترياتها من الأسلحة الصينية. ووفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلامSIPRI ، كانت بكين ثاني أكبر مصدر للأسلحة إلى باكستان بين عامي 2006 و2010، بنسبة 38% من إجمالي مبيعات الأسلحة بعد الولايات المتحدة. وبحلول عام 2024، شكلت الصين 81% من مبيعات الأسلحة إلى إسلام آباد.
وفي هذا السياق، تعتبر باكستان الدولة الوحيدة إلى جانب الصين التي تشغل طائرات "تشنجدو جيه-10 سي". وتملك باكستان منها حوالي 20 مقاتلة، وطلبت 36 طائرة أخرى. وتُعرف هذه المقاتلات لدى حلف شمال الأطلسي باسم "فايربيرد"، وهي مقاتلة متوسطة الوزن أحادية المحرك ومتعددة المهام، وهي تستطيع الوصول إلى أقصى ارتفاع لها، وهو 59 ألف قدم، في حوالي دقيقة واحدة، ويمكن أن تصل سرعتها إلى 1.8 ماخ (حوالي 1,350 ميلاً في الساعة). ومن حيث تسليحها، تُجهّز طائرة "تشنجدو جيه-10 سي"، المقاتلة من الجيل الرابع، بمجموعة متنوعة من المدافع والقنابل والصواريخ (من طراز PL-8 وPL-10 قصيرة المدى، وصواريخ PL-12 وPL-15 متوسطة المدى الموجهة بالرادار).
دفعة قوية للصين
على أية حال، يمكن القول إن التصعيد العسكري الأخير بين الهند وباكستان سوف يعطي دفعة قوية لتعزيز مكانة الصين كمصدر رئيسي للأسلحة عالمياً، خاصة إذا ما تأكد نجاح المقاتلات الصينية في إسقاط مقاتلات "الرافال" الفرنسية. ومما يدعم من هذا التقدير أن بكين، التي ظلت حتى هذا التصعيد الأخير، لاعباً غير بارز في سوق تصدير المقاتلات مقارنة بالولايات المتحدة وروسيا، باتت تقدم أسلحة فعالة، وأقل تكلفة، وبدون شروط سياسية صارمة، وهو ما جعل باكستان أكبرمشترٍ لها.
وبالإضافة إلى ذلك، ورغم عدم توافر تفاصيل مهمة بشأن نوع التدريب الذي تلقاه الطيارون الهنود على مقاتلات "الرافال" الفرنسية، ومقداره، يوضح الأداء الجيد للمقاتلات الصينية من طراز "تشنجدو جيه -10 سي" لكثير من دول العالم فوائد الحفاظ على شراكة وثيقة مع بكين، خاصة في ضوء التقارير الإعلامية التي تفيد بأن الصين زودت باكستان بإصدارات من صواريخ "PL-15" ذات مدى أطول من النسخة التصديرية المعتادة، وهو الأمر الذي كان من شأنه إعطاء باكستان ميزة نسبية في مواجهة الهند.
وفي ضوء ذلك، يبرز التساؤل التالي: هل ما شاهدناه في التصعيد العسكري بين الهند وباكستان هو بداية حقيقية لعصر جديد تهيمن فيه الصين على سوق السلاح العالمي، في مواجهة التفوق الغربي التقليدي؟. لا توجد إجابة قاطعة على هذا التساؤل، ويزداد الأمر صعوبة في ظل حقيقة واقعة مفادها أن بكين لا تشارك تقنياتها القتالية الحساسة إلا مع حلفاء مختارين بعناية كبيرة، مثل باكستان وإيران والحوثيين في اليمن.