رغم فشله في تحقيق «نصر مطلق» بغزة.. هل غير نتنياهو الشرق الأوسط؟

نشر الكاتب الإسرائيلي هيرب كينون تحليلًا في صحيفة «ذا جيروزاليم بوست»، تناول فيه التطورات الأخيرة في سياسات إسرائيل تجاه دروز سوريا، معتبرًا أن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن حماية الطائفة الدرزية في جنوب سوريا يعكس تحولًا كبيرًا في المشهد الإقليمي.
تحول غير متوقع في السياسة الإسرائيلية
يرى «كينون»، أنه قبل سقوط نظام بشار الأسد، لم يكن من الممكن تصور أن تمد إسرائيل «يد الحماية» إلى الدروز في سوريا، لكن حقيقة أن نتنياهو يفعل ذلك الآن تؤكد مدى التغيرات التي طرأت على المنطقة.
وعلى الرغم من أن إسرائيل، لم تحقق «نصرًا مطلقًا» في غزة، وهو ما يتجلى في استمرار حركة حماس بإطلاق سراح رهائن في مشاهد يصفها الكاتب بأنها «دعائية»، فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية خلال الـ16 شهرًا الماضية أعادت تشكيل الشرق الأوسط، وفقًا لرؤية الكاتب.
نتنياهو يرسم خطوطًا جديدة في سوريا
يشير الكاتب الإسرائيلي، إلى أن تصريحات نتنياهو الأخيرة كشفت عن معالم التحولات الإقليمية، فقد أكد رئيس حكومة الاحتلال، أن بلاده لن تسمح للجيش السوري الجديد أو للقوى التي أدت إلى سقوط الأسد بالتمركز جنوب دمشق، كما طالب بإخلاء محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء من القوات التابعة للنظام السوري الجديد.
لكن الكاتب يرى أن التصريح الأبرز في خطاب نتنياهو، كان إعلانه أن إسرائيل «لن تتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا»، وهو ما اعتبره كينون، رسالة مباشرة إلى الحكام الجدد في دمشق: "المساس بالدروز يعني مواجهة إسرائيل".
لماذا تهتم إسرائيل بحماية دروز سوريا؟
وفقًا لـ «كينون»، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تخاطر إسرائيل بحماية أقلية سورية تاريخيًا كانت تدعم نظام الأسد؟.
الجواب، بحسب الكاتب، يكمن في أن هذه القضية مهمة جدًا للطائفة الدرزية داخل إسرائيل، حيث تربط العديد من العائلات الدرزية الإسرائيلية صلات قرابة مع دروز سوريا، كما أن الكيان الإسرائيلي يشعر بأنه مدين للطائفة الدرزية بسبب تضحياتها الكبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي على مدى العقود الماضية، بما في ذلك الحرب الحالية.
ويشير الكاتب، إلى أن دروز الجولان الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية منذ عام 1967، رفضوا الجنسية الإسرائيلية لعقود، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تعريض عائلاتهم في سوريا للخطر أو أن تتغير الأوضاع السياسية، خاصة في ظل الحديث في التسعينيات ومطلع الألفية عن احتمال انسحاب إسرائيل من الجولان مقابل السلام مع دمشق.
لكن في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد الأزمة السورية وسقوط الأسد، بدأ المزيد من دروز الجولان في التقارب مع إسرائيل، حيث حصل نحو 20% من أصل 27,000 درزي في الجولان على الجنسية الإسرائيلية بحلول نهاية عام 2023.
هل يطمح دروز سوريا للانضمام إلى إسرائيل؟
يرى «كينون»، أن سقوط الأسد سرّع من تحولات الموقف الدرزي في سوريا. فخلال الحرب السورية، تعرض الدروز لهجمات من داعش، أبرزها مجزرة السويداء عام 2018، التي راح ضحيتها أكثر من 200 شخص، ما دفع الكثيرين منهم إلى البحث عن حماية خارجية.
ويشير الكاتب، إلى أن هناك مقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر دروزًا سوريين يطالبون بالانضمام إلى إسرائيل، ليس بدافع الولاء لها، ولكن خوفًا من «الفصائل المتشددة» التي قد تسيطر على مناطقهم، كما أن الكثيرين ينظرون بقلق إلى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.
قبل سقوط الأسد، لم يكن نتنياهو ليفكر في تقديم الحماية لدروز سوريا، لكن قيامه بذلك الآن يعكس مدى التحولات التي طرأت على المنطقة، وفقًا لتحليل كينون.
هل تسعى إسرائيل لإقامة دولة درزية؟
يستعيد الكاتب فكرة طرحها إيغال ألون، وزير في الحكومة الإسرائيلية خلال وبعد حرب 1967، حول إنشاء «جمهورية درزية» في جنوب سوريا والجولان، تعمل كمنطقة عازلة بين إسرائيل وسوريا والأردن. ورغم أن هذه الفكرة لم تتحقق، إلا أن إعلان نتنياهو عن حماية دروز سوريا قد يكون إشارة إلى أن إسرائيل لا تزال ترى فيهم حليفًا مستقبليًا.
التغير في الموقف اللبناني
إلى جانب التحولات في سوريا، يشير كينون إلى تطور لافت آخر، وهو تصريحات الرئيس اللبناني جوزيف عون عقب اجتماعه مع رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف.
فبينما شهدت بيروت جنازة جماهيرية ضخمة لزعيم حزب الله الراحل حسن نصرالله، خرجت الرئاسة اللبنانية ببيان على منصة إكس قالت فيه:« لبنان سئم حروب الآخرين، ووحدة اللبنانيين هي السبيل الأفضل لمواجهة أي خسائر أو عدوان، لقد دفع لبنان ثمنًا باهظًا بسبب القضية الفلسطينية».
يرى كينون، أن هذه التصريحات بمثابة رسالة مباشرة إلى إيران، مفادها أن بيروت لم تعد ترغب في أن تكون أداة في الصراع الإيراني ضد إسرائيل، وهو ما اعتبره تحولًا بارزًا في السياسة اللبنانية.
شرق أوسط جديد برسم الانتصارات الإسرائيلية؟
يختم كينون، تحليله بالإشارة إلى أن هذه التطورات، سواء في سوريا أو لبنان، تعكس التغيرات التي أحدثتها الحرب الإسرائيلية على غزة في المشهد الإقليمي، حتى وإن لم تصل إسرائيل إلى «نصرها المطلق» ضد حماس.
ويرى أن الشرق الأوسط الجديد الذي تحدث عنه نتنياهو في أعقاب هجوم 7 أكتوبر بدأ يتشكل، وسط إعادة تموضع إقليمي غير متوقعة.