استثمار مصر في الطاقة.. هل يكفي حقل «ظهر» لضمان استدامة الإنتاج المحلي؟

منذ اكتشافه في عام 2015، لا يزال حقل ظهر للغاز الطبيعي يمثل حجر الزاوية للأمن الطاقي في مصر، ويعد من المشاريع الأساسية التي تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي للغاز الطبيعي في البلاد، فضلًا عن التصدير إلى الأسواق العالمية. ومع مرور الوقت، تزداد الأسئلة حول قدرة الحقل على الاستمرار في تزويد السوق بنفس الطاقة الإنتاجية العالية التي بدأ بها، وسط تحديات استدامة الإنتاج والتغيرات في السوق العالمية.
أكبر اكتشاف في البحر المتوسط
حقل ظهر، الذي يقع في منطقة امتياز شروق في المياه العميقة بالبحر المتوسط، على بُعد نحو 190 كم شمال بورسعيد، يُعد أكبر اكتشاف للغاز في تاريخ البحر المتوسط. وقد أعلنت عنه شركة إيني الإيطالية في 2015 كأكبر اكتشاف، مع احتياطات تُقدر بأكثر من 30 تريليون قدم مكعب.
بدأ الإنتاج في ديسمبر 2017، عبر شركة بتروبل بالتعاون مع إيني، ووصلت الطاقة الإنتاجية القصوى إلى نحو 2.7 مليار قدم مكعب يوميًا في ذروتها عام 2019. لكن مع مرور الوقت، بدأ الإنتاج يشهد انخفاضًا تدريجيًا بسبب العوامل الطبيعية.
تأثيره على الاقتصاد المصري
ساهم حقل ظهر في تحويل مصر من دولة مستوردة للغاز إلى دولة مصدرة له، وهو ما كان له تأثير كبير على الاقتصاد الوطني، حيث ساعد في تقليص فاتورة استيراد الغاز، وبالتالي خفض عجز الموازنة. ووفقًا لالدكتور سيد خضر، الخبير الاقتصادي، فإن الحقل فتح آفاقًا جديدة للبلاد في مجال الغاز الطبيعي وأدى إلى تحسين مكانتها الإقليمية في السوق، مما جعلها مركزًا رئيسيًا لتجارة الغاز.

وأضاف الخبير الاقتصادي فى تصريح خاص لـ"نيوز رووم" ،أن الحقل رفع من مكانة مصر الإقليمية في سوق الغاز، وفتح الباب أمام شراكات كبرى من خلال منتدى غاز شرق المتوسط، لكن جذب استثمارات جديدة يتطلب بيئة استثمارية مستقرة ومنافسة، خاصة مع بروز أسواق بديلة في المنطقة.
وأكد الخبير الاقتصادي، أن البنية التحتية التي أنشأتها مصر لتسييل الغاز في دمياط وإدكو ساعدت على تعزيز موقعها كمركز إقليمي لتجارة الطاقة، خاصة في ظل الطلب المتزايد على الغاز بعد أزمة أوكرانيا.
تحديات تواجه الإنتاج
وأشار الدكتور سيد خضر، أنه رغم هذه الإنجازات تواجه مصر تحديات حقيقية تتعلق باستدامة الإنتاج، لا سيما مع التراجع الطبيعي في معدلات الاستخراج من الحقل، وتشير تقارير دولية إلى أن الإنتاج اليومي من ظهر انخفض تدريجيًا، ما يستدعي تسريع وتيرة استكشاف وتطوير حقول جديدة.
وتقول الدكتورة ناهد يوسف، خبيرة الطاقة والبيئة، أن نجاح ظهر يجب أن يكون جزءًا من رؤية أشمل لأمن الطاقة، تشمل التوسع في الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استهلاك الغاز محليًا، حتى لا يتحول الاعتماد الزائد عليه إلى نقطة ضعف مستقبلية."
نموذج يجب تكراره
وأوضحت الخبيرة فى تصريح لـ"نيوز رووم" ، أن "انخفاض الإنتاج الحالي من ظهر أمر متوقع طبيعيًا بعد سنوات من التشغيل، وهو ما يجعل من الضروري الإسراع في تطوير حقول واعدة مثل نرجس وشمال الإسكندرية، مع تكرار نموذج الشراكة الناجح الذي تحقق في ظهر."
مؤكدة، أن التعاون مع شركات عالمية كشركة “إيني” ساهم في سرعة الإنتاج وضمان التكنولوجيا الحديثة، وهو نهج يجب البناء عليه في المشاريع المستقبلية."
هل تكرار "ظهر" ممكن؟
المهندس أحمد العايدي، خبير الغاز، أوضح أن مصر تمتلك إمكانيات هائلة في مجال الغاز الطبيعي، ويجب العمل على استغلال هذه الإمكانيات بأقصى قدر ممكن، خاصة في مناطق مثل دلتا النيل، التي تحتوي على كميات كبيرة من الغاز التي لم يتم استغلالها بعد. ويؤكد على أن خفض التكلفة وزيادة الإنتاج المحلي سيسهمان بشكل كبير في تأمين احتياجات السوق المصري وفتح آفاق جديدة للتصدير.
وفي ظل هذه التحديات، تواصل وزارة البترول السعي لضمان استدامة إنتاج حقل ظهر، من خلال خلق بيئة استثمارية جاذبة وتشجيع المزيد من الشراكات العالمية. تم توقيع العديد من الاتفاقيات مع شركات عالمية للتنقيب في البحرين المتوسط والأحمر، مما يعزز من الأمل في اكتشافات جديدة تدعم الطاقة المحلية وتدعم استراتيجية مصر لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
يبقى السؤال: هل تستطيع مصر تكرار تجربة ظهر في حقول جديدة؟ الإجابة تكمن في سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطوير الحقول الحالية واكتشاف أخرى جديدة، مع ضمان الاستثمارات المستدامة لدعم النمو الطاقي طويل الأمد.