لا اوافق من يتهمون دول الخليج بالسفه والغفلة، فهم يدركون ان المرحلة النفطية لن تدوم ابدا، فالنفط مآله النفاذ، لذلك انتبهوا قبل سنوات للاستثمار فى البشر، منذ لحظة الاستعانة بكوادر المعلمين المصريين المبكرة، حتى ابتعاث ابنائهم وبناتهم للجامعات فى الغرب.
وهم الان يدفعون بهم - وبهن - فى دواوين الدولة، وسوق العمل، ويسيرون بخطى واثقة نحو تطوير بلادهم، ويؤسسون لما بعد النفط.
واستطاعوا ان يُحجّموا المد الاصولى ويطلقوا سراح الانسان بحزم لا تخطئه عين، وكما فعلوا فى التعليم يعيدون التجربة مع الابداع، عبر استقدام الكوادر الفنية والابداعية المصرية واللبنانية وغيرهما ويؤسسون بهم مؤسساتهم فى مناحى الفن العديدة، وسنرى فى زمن منظور ابداعا خليجياً واعدا ومتنام.
وعندما يذهبون للاستثمار فى امريكا وأوروبا ويستقدمون تقنيات الصناعات المتقدمة التقليدية والالكترونية والذكاء الاصطناعى، على غرار ما فعلته الهند ودول الجوار الشرقى لهم، النمور الأسيوية، فهم يعرفون اين يضعون اقدامهم.
وقد استطاعوا ان يصبحوا مراكز متقدمة فى الإعلام وفرضوا انفسهم على خريطة التوازنات السياسية وصاروا فاعلين فى التوسط لفك اشتباكات دولية مشتعلة وعاتية.
ومن يتتبع زيارة الرئيس الأمريكى الأخيرة لدول الخليج يرصد غلبة رموز الصناعة والشركات التقنية المتقدمة فى الوفد المرافق له، وقد ترجم هذا فى الصفقات والاتفاقيات بين دول الخليج وبينهم.
فهل نكتفى نحن بحديث ممتد عن ما كانوا فيه وما كنا فيه فى لغة استعلائية باتت كالآبار المشققة التى لا تضبط ماءً، والتى قد تخفف من ألم جراحنا لكنها لا تطببها؟!.
مصر قد تمرض لكنها ابدا لا تموت، ونحن نملك مقومات النهوض ثانية واسترداد موقعنا الريادى، ليس فقط للمقومات التاريخية وليس فقط لصلابة بنية شعبنا، لكن اضافة الى ذلك اننا نملك بنية تحتية قادرة على اقامة اقتصاد قوى، وشبكة طرق توفر عنصرا اساسياً لهذا الاقتصاد، ويعود الفضل فيهما للقيادة السياسية، الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى يحمل حلماً كبيراً ويستبق الزمن ليجعله واقعاً معاشاً، ومصر لديها خبرات علمية وفنية تقنية وعقول تتخاطفها الدول فى دوائرنا العربية والمتوسطية، وقوى عاملة متمرسة ومتميزة، فقط تحتاج لمناخ قادر على استثمار طاقاتها التى تتبدد فى بدائل مغرية لكنها غير منتجة، وقد هجرت المصانع والورش الى العمل على التكاتك، والحبل على الجرار.
يقينى ان منظومات التعليم والصناعة والتجارة تحتاج لقراءة مختلفة عصرية تعيد الاعتبار لها كمداخل لاعادة بناء اقتصاد انتاجى يمكنه ان يحقق قيمة مضافة حقيقية، واكتفاء يقلل من الاستيراد ويضعنا على طريق تعظيم التصدير.
وحتى يتحقق هذا لابد من تطوير وتحديث منظومة القوانين ذات الصلة من خلال التواصل بين المشرع ورجال الصناعة والقوى المدنية وفى مقدمتها الجامعات والأحزاب ورجال الأعمال الوطنيين.
وقبل هذا وبعده تعقب ومحاصرة الفساد الذى يشبه الاخطبوط ويمد اقدامه المتشعبة ليقضى على الأخضر واليابس، بتحالفات مع قوى الشر، وفى غياب ضمائر اصحابه.