عاجل

بين الدبلوماسية والقوة.. هل تخطط موسكو لجولة قتال جديدة؟

الرئيس الروسي فلاديمير
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

سلط تقرير نشرته صحيفة"معاريف" الإسرائيلية، الضوء على أن أي تسوية تمنح روسيا مكافأة على عدوانها لن تحقق سلامًا دائمًا، بل ستتيح لها إعادة ترتيب صفوفها استعدادًا لجولة قتال جديدة.

من جانبه، فقد وصف نائب رئيس الجامعة الوطنية للأمن في فنلندا المشهد، خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، بقوله:" روح اتفاق ميونيخ تخيم على عواصم أوروبا" .. هذه الإشارة إلى اتفاق عام 1938، الذي شهد تخلي بريطانيا وفرنسا عن تشيكوسلوفاكيا، توعكس القلق الأوروبي العميق من المحادثات الجارية بين واشنطن وموسكو بشأن "إنهاء الحرب" في أوكرانيا.

افتراضات خطيرة

تستند هذه المفاوضات إلى فرضية أن روسيا باتت راغبة في إنهاء الصراع بسبب الضغوط التي تعرضت لها، لكن هل هذا صحيح؟ .. هل التسوية المقترحة تمثل بالفعل نهاية الحرب أم أنها مجرد هدنة تتيح لموسكو إعادة بناء قدراتها استعدادًا لمواجهة جديدة؟ .. وما هي الأهداف الاستراتيجية الحقيقية للكرملين؟.

غموض متعمد

ولم تعلن روسيا بوضوح عن أهدافها النهائية في أوكرانيا، لكنها تتحرك وفق مجموعة واسعة من الغايات، بعضها معلن وبعضها الآخر مخفي. وتشمل هذه الأهداف منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، الإطاحة بحكومة زيلينسكي، ضم الأراضي، وتفكيك الهوية الوطنية الأوكرانية. 

إضافة إلى ذلك، تسعى موسكو إلى تقويض وحدة الناتو وإعادة ترسيخ نفوذها في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي.

على نطاق أوسع، تسعى روسيا لإعادة تشكيل النظام العالمي لصالح نموذج متعدد الأقطاب تلعب فيه دورًا رئيسيًا. ومن هنا، يتراوح الخطاب الروسي بين الدبلوماسية المعتدلة والتصريحات التصعيدية، حيث يؤكد بوتين أن مهاجمة أوروبا أمر "عبثي"، بينما تصدر تصريحات أخرى تدعو لمواجهة شاملة مع الغرب، بل وحتى استخدام الأسلحة النووية. فهل يعكس هذا التناقض صراعًا داخليًا بين مراكز القوى في الكرملين، أم أنه مجرد استراتيجية مقصودة لإرباك الخصوم؟.

التحديات الداخلية لروسيا بعد الحرب

إلى جانب الغموض بشأن الأهداف الروسية، تواجه موسكو تحديات داخلية عميقة نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت منذ الغزو الشامل لأوكرانيا في 2022، فقد أصبحت روسيا دولة تعتمد بشكل متزايد على اقتصاد الحرب، حيث ازداد ارتباطها بالصناعات الدفاعية، مما أدى إلى نمو اقتصادي ظاهري بلغ 3% في الربع الثالث من عام 2023، مدفوعًا إلى حد كبير بالإنفاق العسكري.

في المناطق الفقيرة مثل توفا وبورياتيا وداغستان، أصبحت الحرب وسيلة رئيسية للحراك الاقتصادي، حيث تصل رواتب الجنود هناك إلى 3000 دولار شهريًا، أي ما يعادل ثمانية أضعاف متوسط الدخل المحلي .. وفي المقابل، استفادت النخب من مصادرة الأصول الغربية، مما أدى إلى تعزيز تركيز السلطة والقضاء على أي معارضة سياسية فعالة.

التحدي الأكبر: إعادة دمج القوات المقاتلة

أحد أكبر التحديات التي قد تواجه روسيا بعد الحرب هو إعادة دمج المقاتلين في المجتمع، سواء كانوا جنودًا نظاميين، مرتزقة، "متطوعين"، سجناء مفرج عنهم، أو أعضاء في ميليشيات خاصة. 

ويخشى الكرملين أن يؤدي تسريح هذه القوات إلى موجات عنف داخلي تهدد سيطرة الدولة على استخدام القوة.

شخصيات مثل رمضان قديروف، زعيم الشيشان، الذي تضاعف حجم قواته خلال الحرب، قد تستغل هذا الوضع لتعزيز نفوذها، مما قد يؤدي إلى صراعات داخلية تهدد استقرار النظام.

سلام زائف

رغم تفاؤل بعض الأصوات في الغرب، فإن أي اتفاق بين واشنطن وموسكو قد يوفر لروسيا فرصة لاستعادة أنفاسها وتعزيز قدراتها العسكرية استعدادًا لمواجهة أوسع مع الغرب .. وتكمن المشكلة في أن النهج الغربي يرى الحرب والسلام كحالتين منفصلتين، في حين أن العقيدة الروسية تعتبر الصراع عملية مستمرة لا تتوقف.

إضافة إلى ذلك، فإن الاعتقاد بأن روسيا ستقبل تسوية سياسية في أوكرانيا يتجاهل التغييرات الجوهرية التي أحدثتها الحرب داخل الدولة الروسية، فقد أصبحت الحرب أداة للحكم والسيطرة، وأحدثت تحولات عميقة في الاقتصاد والمجتمع، مما يجعل من الصعب العودة إلى ما كان عليه الوضع سابقًا.

تم نسخ الرابط