دلالة اسم جدعون في العمليات العسكرية الإسرائيلية
من بيسان إلى غزة: «عربات جدعون» اسم توراتي يُغلف جرائم الاحتلال

أعلنت إسرائيل عن بدء العملية العسكرية "عربات جدعون" منذ ساعات في قطاع غزة، قبل أن تؤكد بدء الغزو البري في شمال وجنوب القطاع، وسط حملة من الإبادة الجماعية التي تُمارس على المدنيين في القطاع تحت ذريعة البقاء على حماس.
وفي خضم التصعيد الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، لفت الانتباه مجددًا استخدام اسم "جدعون" كعنوان لعملية عسكرية جديدة ينفذها جيش الاحتلال، ما أعاد إلى الأذهان سوابق تاريخية ارتبط فيها هذا الاسم بعمليات تطهير عرقي ضد الفلسطينيين.
وكان أبرز تلك الاعتداءات عملية "جدعون" في حرب عام 1948، والتي شكلت جزءًا من الجهد الصهيوني للسيطرة على شمال فلسطين وتهجير سكانه قسرًا.

"جدعون" في حرب 1948: احتلال بيسان
في أيار 1948، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي ما عُرف بـ"عملية جدعون" (Operation Gideon)، وهي هجوم عسكري منظم استهدف مدينة بيسان الواقعة شمال فلسطين، ضمن خطة أوسع لاحتلال الجليل الشرقي قبيل انسحاب القوات البريطانية.
وقاد هذه العملية لواء جولاني، أحد ألوية النخبة في الجيش الإسرائيلي، وكان الهدف منها تفريغ المدينة من سكانها العرب وإحكام السيطرة على منطقة استراتيجية تربط الساحل بالحدود الشرقية.
وقد أفضت العملية إلى تهجير جماعي لسكان بيسان الفلسطينيين، الذين اضطروا للنزوح إلى المناطق المجاورة أو إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن.
ولم تكن "جدعون" مجرد هجوم عسكري تقليدي، بل حملت سمة التطهير العرقي المتعمد، حيث لم يُسمح للسكان بالعودة لاحقًا، وتم تدمير معالم المدينة الأصلية أو تحويلها إلى استخدامات إسرائيلية.

دلالة الاسم: بين الرواية الدينية والواقع الاستعماري
اسم "جدعون" مأخوذ من شخصية توراتية بارزة في سفر القضاة، قاد بني إسرائيل في معركة ضد المديانيين رغم قلة عدد جيشه، حيث انتصر بـ300 رجل فقط.
وفي الرواية الدينية، يمثل جدعون رمزًا لـ"الإيمان والانتصار رغم الضعف العددي"، وهو ما يوظفه الجيش الإسرائيلي كغطاء أخلاقي ومعنوي لعملياته، مُصورًا كل حرب على أنها "معركة وجودية عادلة".
لكن في الواقع، يُستخدم الاسم لشرعنة العدوان والتوسع، وتحويل الجرائم ضد المدنيين إلى إنجازات وطنية ذات بعد توراتي، في سياق سعي إسرائيل الدائم لتكريس السردية الدينية في خدمة مشروعها الاستيطاني.

من بيسان إلى غزة: تكرار الجرائم وتجدد الرمزية
عودة اسم "جدعون" إلى الواجهة في عمليات جيش الاحتلال في غزة اليوم، يُبرز هذا النمط الإسرائيلي المتكرر في اختيار أسماء توراتية لتجميل وجه الحروب والاعتداءات. فكما شكلت "جدعون" غطاءً لاحتلال بيسان وتطهير سكانها قبل 76 عامًا، تُستخدم اليوم في حملة عسكرية قد تُفضي إلى تصعيد ميداني واسع النطاق، وارتكاب انتهاكات جديدة بحق سكان القطاع المحاصر.
اللافت أن استخدام الأسماء ذات الطابع الديني لا يقتصر على البُعد الداخلي الإسرائيلي، بل يحمل رسائل دعائية موجهة إلى الخارج، وكأن الاحتلال يسعى لتقديم عملياته على أنها "امتداد تاريخي مشروع"، رغم ما تخلّفه من مآسٍ إنسانية وخرق فاضح للقانون الدولي.
إن تكرار استخدام اسم "جدعون" في العمليات العسكرية الإسرائيلية، من تطهير بيسان في عام 1948 إلى العدوان على غزة، يُعد شاهدًا على استمرارية العقلية الاستعمارية التي ترتكز على الرموز الدينية لتبرير سياسات التهجير والعدوان. وبينما يربط الاحتلال الماضي بالحاضر عبر أسماء كهذه، يظل التاريخ الفلسطيني شاهدًا على الجرائم التي لا تُمحى بطلاء توراتي أو سردية أمنية.