عاجل

محمد سمير ندا لـ«نيوز رووم»: فزت بالبوكر دون التمسّح في الوسط الثقافي

الروائي محمد سمير
الروائي محمد سمير ندا

قال الكاتب محمد سمير ندا، الفائز بجائزة البوكر العربية لعام 2025 عن روايته «صلاة القلق»، إن فوز رواية مصرية بجائزة البوكر يشعره بالفخر، مشيرًا إلى أن امتزاج اسمه باسم مصر في هذا الحدث الثقافي المهم يثير داخله مشاعر عميقة. 

حوار محمد سمير ندا مع نيوز رووم

وأكد محمد سمير ندا خلال حواره مع موقع «نيوز رووم»، أن أحد أدوار الأدب حسب رأيي، إعادة تناول التاريخ، والتشكيك في الروايات الرسمية التي دونها المؤرخون -ذلكم أن الروائي أصدق من المؤرخ- ومن ثم، تنبيه الوعي الفردي، ومن ثم الوعي الجمعي، إلى ضرورة إعادة قراءة التاريخ من زوايا مختلفة، وعدم الاستسلام للنقل على حساب إعمال العقل.

الروائي محمد سمير ندا
الروائي محمد سمير ندا

في البداية.. ماذا يعني لك الفوز بجائزة البوكر العربية لعام 2025؟ وهل كنت تتوقع هذا التتويج عن "صلاة القلق"؟

يعني شعور بالانتصار، واستعادة الثقة في ما أحاول أن أتركه من أثر، أي محاولاتي الكتابية، هذه الجائزة أثبتت لي، وللكثيرين، أنه من الممكن أن يصيب المرء النجاح من دون التمسّح في الوسط الثقافي بدوائره المغلقة وحساباته المعقدة، وأجمل ما في هذ الفوز، هو عدم توقعه، إذ أنني كنت سعيدًا جدًّا بصدور الرواية، وباستقبالها بشكل جيد للغاية من المجتمع القرائي، أعني هنا القراء لا النقاد، ولكن لم أتصور يومًا أن أفوز بأهم جائزة عربية من خلال ثالث محاولة للكتابة.

كيف ترى أثر هذه الجائزة على الرواية المصرية تحديدًا؟

الأمر لا يتعلق بجنسية الرواية الفائزة، فأثرها على الرواية وكاتبها واحد في مختلف البلدان العربية، الجائزة تلقي الضوء على النص والكاتب وتسهم في رواج الرواية وخلق قاعدة مقروئية كبير للروائي الفائز، في مصر؛ كانت هناك الكثير من الأقوال عند معاندة الجائزة لمصر وحجبها عن مصر وخلافه، ولكن شاء الله أن تفوز مصر بالجائزة من خلال روايتي، وهذا شرف عظيم.

الروائي محمد سمير ندا
الروائي محمد سمير ندا

قلت إنك لا تريد للكتابة أن تتحول إلى وظيفة.. ألا ترى أن ذلك ترف لا يتوفر لكثير من الكتّاب العرب؟ وهل هو خيار أم اضطرار؟

اضطرار بالطبع، لو خُيّرت اليوم بين الكتابة والوظيفة لاخترت الوظيفة وتنازلت عن هوايتي الأحب إلى قلبي من دون تردد، الكتابة لا توفر مصدر دخل ثابت، حتى وإن أدرّت عليّ اليوم مبلغًا معتبرًا، لا يمكن أن أعتمد على الكتابة كمصدر دخلٍ على المدى الطويل.

هذا هو الشق المالي من الأمر، ولكن هناك شق آخر، فأنا أتخذ من الكتابة هواية، والهواية تخضع لعدة عناصر، أهمها الحالة المزاجية والنفسية، لذلك لو وضعت نفسي تحت ضغط الكتابة وإنهاء النصوص والمقالات في أمد محدد، فسدت متعة الهواية، وربما صارت كتابتي سيئة مقارنة بما كتبته حبًّا في الكتابة.

الروائي محمد سمير ندا
الروائي محمد سمير ندا

تحدثت عن أن الكتابة الجادة هي التي تبقى، ما مقاييسك للأدب الخالد؟ وهل الجوائز قد تكون أحيانًا عائقًا أمام الخلود؟

لو كانت لدي مقاييس واضحة لعمدت إلى تطبيقها لأضمن خلود أعمال، ولكن؛ أعتقد أن الكتابة الجادة، التي تناقش مواضيع تهم المجتمع القرائي، وتحتلّ مساحة من عقل القارئ تزرع فيها الأسئلة، هي كتابة مؤهلة لأن تعيش طويلاً بشرط ألا تخلو من المتعة. لا أعتقد أن الجوائز قد تعيق خلود النصوص، بل في بعض الحالات؛ أسهمت الكتابة في تعريف القراء بعمل فذ يستحق القراءة، فمنحته الخلود. ولكن، هذه أيضًا ليست قاعدة.

في صلاة القلق نلاحظ مزجًا بين الفانتازيا والتاريخ، كيف ترى قدرة الأدب على تجاوز التاريخ الرسمي وتقديم سردية بديلة للوعي الجمعي؟

هذه أحد أدوار الأدب حسب رأيي، إعادة تناول التاريخ، والتشكيك في الروايات الرسمية التي دونها المؤرخون -ذلكم أن الروائي أصدق من المؤرخ- ومن ثم، تنبيه الوعي الفردي، ومن ثم الوعي الجمعي، إلى ضرورة إعادة قراءة التاريخ من زوايا مختلفة، وعدم الاستسلام للنقل على حساب إعمال العقل.

لماذا اخترت نكسة 1967 تحديدًا كنقطة محورية؟ وهل تعتقد أن الأجيال الجديدة باتت بعيدة عن هذا الحدث بشكل يوجب إعادة استدعائه؟

أردت أن أصوّر مجموعة من المهزومين، والمنسحبين إلى داخلهم، في إشارة إلى الشعوب العربية جمعاء، لذلك كان اختيار مرحلة تشهد هزيمة عربية كبرى لشد انتباه القارئ. الأجيال الجديدة عليها إعادة قراءة التاريخ، وتكوين وعيها الخاص به، علينا أن نُدرّس تاريخ النكبة العربية سنة 48 في مناهجنا الدراسية، على الشاب العربي ألا يتعامل مع نكبة 48 كحدث تاريخي كما يتعامل مع هيروشيما وناجازاكي في إثر قصفهما نوويًّا! فما جرى في اليابان بنهاية الحرب العالمية الثانية، حد تاريخ يندرج تحت الفعل الماضي فيؤسس الحديث عنه بصيغ ما كان وانتهى (أي الماضي)، أم النكبة العربية فهي فعل مضارع مستمر ومتجدد نعيش آثاره حتى وقت كتابة هذه السطور، لذلك من الحتمي استعادة الأحداث التاريخية الكبرى، خصوصًا لو كان أثرها راسخًا ومتحددًا في ذات الوقت.

هل ترى أن الموسيقى والغناء يمكن أن تُستخدم في الرواية كأداة مقاومة رمزية، أم أنك وظفتها هنا كتأريخ وجداني فقط؟

نعم، تستخدم في هذه الرواية، واستخدمت في وقائع الماضي، وقابلة للاستخدام اليوم وغدًا. الموسيقى والأغاني سلاح قوي، قدار على تحقيق حالة من الرفض أ, الغضب أو الثورة في مسلحة تبدو محدودة من الكلمات، ولكن الكلمات الصادقة إذ تغمس في الموسيقى النابعة من إحساس حقيقي، بغدو لها أثر السحر، ولعلك تستوثق من ذلك باستدعاء ثنائية الشيخ نحم والأبنودي، وأغنيات سيد درويش، وحتى أغاني ثورة يناير في مصر.

قلت إنك تراهن على "القارئ الصبور"، ألا ترى أن هذا النوع من الرهانات قد يحصر جمهور الرواية في فئة نخبوية محدودة؟

"أنا لا أكتب لمن يداعب النوم جفونه، بل أعمد إلى إيقاظ القارئ وإبقائه في يقظة مستمر، ذلك أن القارئ شريك رئيسي في كل قصة تُحكى، وكل حكاية حقيقية لا يمكن أن تكتمل، إلا بيد القارئ"

هذه مقولة لأبي رحمه الله، وأنا مؤمن بها أشد الإيمان. وقد اكتشفت أنها جزء رئيس من هويّتي ككاتب، أعرف مضار هذه النظرية، لكني سأواصل المغامرة، والرهان على القارئ الصبور.

الروائي محمد سمير ندا
الروائي محمد سمير ندا

ما الذي تغيّر في محمد ندا بين بداية كتابة الرواية والعمل الذي تعكف عليه حاليًا؟ وهل ما زلت تؤمن بأن دور الكاتب هو "إلقاء الحجارة في البحيرات الراكدة"؟

ما زلت أؤمن بذلك، وسوف أحافظ على هذه الدور الذي كلفت نفسي به، ولو عمد كل كاتب على إلقاء حجر في بركة راكدة، لصارت لدينا انتفاضة حجارة جديدة ضد الركود، وضد الأفكار المقولبة. عن نفسي لم يتغير شيء في، لدي نفس الهموم، ونفس القلق، ونفس الشك في ما أكتب بالقلم والممحاة على حد سواء. لقد منحتني الجائزة سعادة عظيمة، لكني لا أستخلص من عصار الفرحة ثقة زائدة، أو اعترافًا أبديًّا بالجودة. 

ذكرت أنك لم تتلقَ ردًا من بعض دور النشر المصرية، كيف تقرأ هذه الأزمة في علاقة الكاتب المصري بمؤسسات النشر المحلية؟

لم أتلق ردًّا من دور مصرية ومن دور عربية، وهذا الأمر أشعرني بعدم احترامهم لي. أزمتي ككاتب كانت مع مؤسسات النشر المحلية والعربية، والأزمة بالنسبة لي هي تجاهل الرد، لا رفض النشر، من حق الدور أن ترفض النصوص أو تقبلها، وفق سياستها وخطتها التسويقية، والمشكلة أن غالبية الدور تفتح أبوابها للكاتب الذي تضمن نسبة مبيعات مرتفعة لنصوصه، سواء لجودتها، أو يناءً على عدد متابعي الكاتب على مواقع التواصل. في مصر لا يمكن أن ألوم الدور كثيرًا على خطط النشر التي تنهض على "اللعب على المضمون"، ذلك لأن سوق تزوير الكتب في مصر أشبه بالمافيا، ولا أحد يحارب هذه الظاهرة في مصر منذ سنوات، لذلك قد أتفهم سياسات الدور، ولكني لأ أقبل منها ولها أن تتجاهل الرد على أي كاتب ولو كان يرسل أول أعماله.

ما الذي تخطط له بعد "صلاة القلق"؟ وهل ستواصل الاشتغال على نفس الأسئلة الوجودية والوعي الجمعي؟

بالفعل، سأواصل العمل بذات الدوافع، إلقاء الحجارة ولفت الانتباه، وتصوير الوقائع التاريخية والمعاصرة من زاوية غير مألوفة للقارئ، ما أخطط له بعد صلاة القلق هو مواصلة كتابة نص بدأته منذ سنتين، وقد أنتهي منه خلال عام ونصف لو وهبني الله العمر والوقت والسكون.

تم نسخ الرابط