عاجل

في زحام القمم العربية حيث تتبادل الكاميرات لقطات رسمية مبتسمة وخطابات محفوظة ببرودة دبلوماسية ظهرت صورة نادرة للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال قمة بغداد جالسا في صمت بينما يعلو وجهه سحاب من الحزن ثقيل كأنه يحمل فوق كتفيه هموم أمة بأكملها لم تكن مجرد لقطة عابرة بل تحولت إلى رمز يتجاوز حدود السياسة ليصبح مرآة تعكس وجعا جماعيا عربيا لم يعد بالإمكان إخفاؤه خلف ابتسامات المراسم البروتوكولية.

في تلك اللحظة التي التقطتها الكاميرا بدا السيسي كقائد يخلع درع القوة ليكشف عن بشريته ليس حزنا شخصيا بل تعبيرا صامتا عن ثقل المرحلة التي تعيشها المنطقة العربية بأكملها حرب هنا وأزمة اقتصادية هناك وصراعات ممتدة منذ سنوات وكأن الحزن الذي ظهر على ملامحه كان تلخيصا بصريا لجراح لم تندمل بعد جروح الأمة من المحيط إلى الخليج ولم يكن التفاعل الشعبي الكبير مع الصورة مجرد تعاطف أو تضامن  فحسب بل كان إحساسا جمعيا بأن تلك اللحظة اختزلت آلام الملايين الذين يعيشون تحت وطأة الأزمات المتراكمة وتحول الحزن الفردي إلى قصة جماعية وكأن الناس وجدوا في عيني السيسي المرتسمتين بالهموم مرآة تعكس واقعهم فصار الحزن المشترك جسرا يربط بين القائد والمواطن في مشهد نادر يذكر بأن السياسة في جوهرها ليست إلا صراعا من أجل حياة أفضل.

وفي أدبيات القيادة غالبا ما ينظر إلى الحزن على أنه ضعف لكن هذه اللقطة قلبت المعادلة لتصور الحزن قوة إنسانية تليق بمن يحمل أمانة شعب بأكمله ليست القوة في القدرة على إخفاء المشاعر بل في الشجاعة لإظهارها عندما تصبح لغة أصدق من كل الخطابات وهنا يتحول الزعيم من رمز سلطوي إلى إنسان قادر على أن يكون صوتا لمن لا صوت لهم واللافت أن الصورة انتشرت كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل رغم كل الانقسامات السياسية التي تعيشها المنطقة وكأن المشاعر الإنسانية تذيب الحدود المصطنعة وتحول الحزن الفردي إلى قضية جماعية تحمل رسالة ضمنية بأن الأمة ما زالت قادرة على التوحد حتى في لحظات الضعف فهذا التفاعل العفوي كشف عن حقيقة مهمة أن الجماهير العربية تتوق إلى قيادات تشعر بها قبل أن تحكمها وفي التاريخ العربي قصص كثيرة عن قادة اختبأوا خلف أقنعة الصلابة لكن التاريخ يذكر جيدا أولئك الذين تجرأوا على البكاء أمام شعوبهم واليوم تكرر الصورة ذاتها لكن بلغة العصر لقطة سريعة تختصر مئات الصفحات من التحليل وتقول ما لا تستطيع قنوات الإعلام قوله إن الزعيم الحقيقي ليس من يخفي دموعه بل من تجعل دموعه وقودا للأمل وما حدث في بغداد لم يكن مجرد حدث إعلامي عابر بل إشارة إلى تحول عميق في الوعي الجمعي العربي فالناس تريد قادة يفهمون معنى الألم ويحملون هموم من يقودونهم والصورة علمتنا أن التضامن لا يحتاج إلى خطب منمقة بل إلى نظرة صادقة تلامس القلوب قبل العقول وربما تكون هذه اللقطة بداية لفصل جديد حيث تصبح الإنسانية هي اللغة المشتركة التي تعيد تعريف معنى القيادة الناجحة فالقوة الحقيقية ليست في عدد الجيوش أو الموارد بل في القدرة على أن تكون رمزا للضمير الحي الذي لا ينام حتى ينام الشعب آمنا وفي النهاية تبقى صورة السيسي الحزين في قمة بغداد شاهدة على أن السياسة مهما علت أسوارها المصنوعة من المصالح تظل في عمقها قصة إنسان يحمل هم إنسان آخر وأن التضامن الأكبر يولد من رحم المعاناة المشتركة وربما كان هذا الدرس الإنساني البسيط هو ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى في عالم يزداد انقساما والعرب أولى بأن يكتبوا فصلهم الجديد بحروف من ألم يصهره أمل.

ويبرز الحدث تأثير الرئيس السيسي في ترسيخ مواقف تعزز الأمن القومي العربي خصوصاً في ملفات شائكة مثل ليبيا والصومال وفلسطين وهذه الرؤية تعكس تصورا جماعيا لدور مصر كحاضن للقضايا العربية وقوة توازنية في ظل تحولات إقليمية ودولية مضطربة ففي الملف الليبي لعبت مصر دورا محوريا في دعم الشرعية الدولية ممثلة في مجلس النواب ومواجهة التمدد التركي الذي حاول تحويل ليبيا إلى قاعدة عسكرية مؤثرة وبؤرة لنفوذ أجنبي يهدد استقرار المنطقة وفي القرن الأفريقي حيث تتصاعد التنافسات الدولية على المواقع الاستراتيجية سعت مصر إلى تعزيز تحالفاتها مع دول مثل الصومال وجيبوتي في محاولة لموازنة النفوذ الإثيوبي المتنامي بل امتد إلى الحفاظ على الهوية العربية وفي القضية الفلسطينية كانت مصر حاجزا أمام خطط إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين ليبقى الدور المصري في عقل ووجدان الشعوب العربية إلى رمز يعيد إحياء الأمل في إمكانية المواجهة.

تم نسخ الرابط