"هوس الجنس بالأطفال".. وليد هندي: شهوة تتخفى خلف الأقنعة وتؤدي لجرائم |خاص

في صمت موجع، يعيش آلاف الأطفال حول العالم مآسي لا ترى، ضحايا لجرائم اعتداء جنسي تنهش براءتهم وتسرق طفولتهم قبل أوانها، ليجدوا أنفسهم عالقين في دائرة من الخوف والعار والصمت، في مجتمع كثيراً ما يفضل التستر على المواجهة. فالجريمة لا تقتصر على لحظة الاعتداء، بل تبدأ منها رحلة طويلة من الألم النفسي والتشوهات العاطفية التي تلاحق الضحية طيلة حياته، وقد تقوده إلى العزلة أو السلوك المدمر أو حتى إعادة إنتاج الألم ذاته. ورغم بشاعة الفعل، تظل الكارثة الأكبر حين يكون الجاني من داخل البيت أو من المحيط الأقرب، حين تتحول الأذرع التي يفترض أن تحمي الطفل إلى أدوات للخذلان، وحين يصبح الصمت شريكاً في الجريمة، والخوف من "الفضيحة" أقوى من الرغبة في العدالة.
وفى هذا السياق قال دكتور وليد هندى استشاري الصحة النفسية لـ "نيوز رووم" ، إن "البيدوفيليا" أو هوس الجنس بالأطفال، واحدا من أخطر أشكال الانحرافات الجنسية، وأكثرها خفاء وقدرة على التخفي وسط المجتمعات، ولا يقتصر خطر هذا الاضطراب النفسي العنيف على مجرد التعدي الجنسي، بل قد يتطور ليصل إلى جرائم القتل، في محاولة من الجاني لإخفاء آثار جريمته، وطمس صوت الضحية إلى الأبد.
اضطراب خطير يتجاوز حدود الانحراف
وأضاف هندى أن "البيدوفيليا" هى الميل الجنسي تجاه الأطفال ممن تقل أعمارهم بخمس سنوات أو أكثر عن الجاني، وغالباً ما يظهر هذا الميل المرضي في أشخاص راشدين أو مراهقين ينجذبون جنسياً نحو الأطفال دون سن البلوغ. وتُصنف البيدوفيليا ضمن اضطرابات السلوك الجنسي، وهي أكثر شيوعاً بين الذكور منها بين الإناث.
وأكد أن الجاني لا يكون غريباً في كثير من الحالات؛ فالمؤلم أن معظم هذه الجرائم تقع من داخل محيط الأسرة أو من أشخاص مقربين يمتلكون سلطة على الطفل، كالمدرس، أو المدرب، أو حتى أحد أفراد العائلة، هؤلاء يتقنون فن التودد، ويعرفون كيف يصطادون ضحاياهم في لحظات الضعف، أو كيف يهددونهم لاحقاً لمنعهم من الإفصاح عمّا تعرضوا له.
تطور سلوك المريض
وأضاف استشارى الصحة النفسية، أنه في بعض الأحيان، لا يكتفي الجاني بالفعل الجنسي المشين، بل يلجأ إلى ارتكاب جريمة قتل للتخلص من الطفل، خاصة إذا شعر بأنه قد يُكشف أمره، أو فقد السيطرة على الضحية، وتسجل العديد من جرائم القتل المرتبطة بالبيدوفيليا تحت مسمى "إخفاء الجريمة الأصلية"، ما يجعل من هذا الاضطراب تهديداً داهماً يتجاوز ما يظنه البعض أنه "تحرش جنسي" فحسب.
ما الذي يدور في عقل الجانى؟
وأكد "هندى" أن الدراسات النفسية تشير إلى أن من يعاني من البيدوفيليا غالباً ما يكون شخصاً مضطرباً نفسياً، يعاني من خلل بنيوي في شخصيته، وقد يتصف بالسيكوباتية، أي الانفصال التام عن القيم المجتمعية وعدم الإحساس بالذنب. كثير منهم يعاني من شعور دائم بالنقص، وغالباً ما يكون فاشلاً في حياته الاجتماعية أو المهنية، ويُظهر رغبة دفينة في الانتقام من محيطه.
وقال إنه من المثير للقلق، أن مريض البيدوفيليا قد يبدو شخصاً متزناً، مهذباً، وودوداً، ما يصعب كشفه بسهولة، لكنه في الحقيقة يخفي دوافع مريضة ورغبات غير سوية، وغالباً ما ينحدر من بيئة أسرية مضطربة، سواء كانت مفككة نتيجة طلاق أو وفاة أو غياب أحد الوالدين، أو تعاني من صراعات مزمنة تفقد الطفل الدعم النفسي اللازم.
وأضاف أنه في حالات كثيرة، يكون الجاني نفسه قد تعرض في طفولته لاعتداء جنسي، ويعيد دون وعي إنتاج هذا السلوك مع آخرين، في سلسلة متواصلة من الألم والاعتداء.
هل يمكن التعرف على المريض؟
قال دكتور هندى إنه في سن المراهقة أو بداية الشباب، قد تظهر على المصاب بالبيدوفيليا سلوكيات مثل الإدمان، وتعاطي المخدرات، والعزلة الاجتماعية، كما يعاني من اضطراب يعرف بمتلازمة "الانفصال الجزئي"، وهو خلل في مناطق متعددة من الدماغ المسؤولة عن التخيل، والإدراك، والربط بين الأحداث، كما يتسم بعدم الرضا عن العلاقة الجنسية مع البالغين، ويميل إلى الانسحاب من العلاقات الاجتماعية، مع خوف دائم من التعرض للعلاج النفسي، خشية "الوصمة الاجتماعية".،/ وكثير من هؤلاء يعيشون حالة اكتئاب دوري، ويصنفون كأشخاص متقلبين مزاجيا، قلقين بشكل مزمن.
نهاية مأساوية
وأضاف أن البيدوفيليا ليست مجرد انحراف جنسي، بل قنبلة نفسية واجتماعية قد تنفجر في أي وقت داخل الأسرة أو المدرسة أو النوادي. خطورتها لا تكمُن فقط في الفعل، بل في قدرة الجاني على التخفي، وفي هشاشة الضحية التي لا تملك أداة للدفاع عن نفسها.
يبقى الوعي المجتمعي، والكشف المبكر، والدعم النفسي للأسرة، من أهم أسلحة المواجهة، ومطلوب من الجهات الرسمية، التعليمية، والإعلامية، أن ترفع مستوى الحديث عن هذه الظاهرة بجرأة ووعي، بعيداً عن التستر والخوف من "الفضيحة"، لأن ضحايا اليوم.. قد يصبحون جناة.