عاجل

بريطانيا - الاتحاد الأوروبي

قبل لقاء القمة.. هل تعود بريطانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي من جديد؟

هل تعود بريطانيا
هل تعود بريطانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي

تسعى حكومة حزب العمال في بريطانيا إلى تدشين آلية جديدة ومنتظمة للتواصل مع الاتحاد الأوروبي، تبدأ بلقاء القمة يوم الاثنين، حيث سيستضيف رئيس الوزراء كير ستارمر كبار مسؤولي الاتحاد للإعلان عن "شراكة" جديدة.

وصف بيدرو سيرانو، سفير الاتحاد الأوروبي لدى المملكة المتحدة، هذه الخطوة بأنها "ذروة لتواصل مكثف رفيع المستوى منذ انتخابات يوليو 2024 في بريطانيا".. ولكن السؤال يبقى: ما هو الاتجاه الفعلي الذي تسلكه بريطانيا في علاقتها مع أوروبا؟

هل ستكون هذه القمة "قمة استسلام"، كما يحذر المحافظون؟ أم "خيانة وطنية" تخشى منها حركة "إصلاح المملكة المتحدة" كونها تُفرغ البريكست من مضمونه؟ أم أنها "فرصة ذهبية" قد تضيعها بريطانيا، وفق رأي الليبراليين الديمقراطيين؟ أم أنها تطبيق عملي لفكرة كير ستارمر بأن "البراغماتية الجادة يمكن أن تهزم السياسات الاستعراضية"، بتقديم حلول عملية لتحسين حياة المواطنين؟

 

هل تعود بريطانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي

أثناء مفاوضات البريكست الطويلة عام 2020، طُرحت فكرة إنشاء شراكة أمنية ودفاعية بين لندن وبروكسل، لكنها أُهملت حينها لصالح أولوية الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي. واليوم، وبعد شهور من العمل المشترك، تبرز ملامح اتفاق أمني جديد كأحد أهم مخرجات القمة المنتظرة.

<span style=
هل تعود بريطانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي

كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي والمكلفة بالإشراف على المفاوضات، حضرت المباحثات التحضيرية في لانكستر هاوس، وقالت: "رغم الصعوبات التي واجهت علاقتنا، إلا أن العالم يتغير ونحن بحاجة إلى المضي قدمًا في هذه الشراكة".

لكن هناك من يرى أن بريطانيا يجب ألا تُفرط في استقلالها الدفاعي. فقد صرح النائب المحافظ أليكس بورجارت بأن "الركيزة الأساسية لأمننا هي الناتو، ولا نرى حاجة لإطار بديل". وبدوره، وصف ريتشارد تايس من حركة "إصلاح المملكة المتحدة" الاتفاق بأنه "عديم القيمة" لأنه يُقيد الدفاع الوطني بهيكل بيروقراطي غير فعال، مؤكدًا أن الاعتماد على الناتو كافٍ.

ترد الحكومة بأن هذه الشراكة لا تهدف إلى تقويض الناتو، بل إلى تكامله، من خلال توسيع نطاق التعاون ليشمل قضايا تتعدى الدفاع، كأمن الطاقة، والبنية التحتية، والهجرة، والجريمة العابرة للحدود.

 

تعزيز اقتصاد بريطانيا

يرى بعض الخبراء أن هذه الاتفاقية قد تعزز اقتصاد المملكة المتحدة. فمثلًا، برنامج SAFE الأوروبي يوفر ما يصل إلى 150 مليار يورو كمساعدات لمشروعات دفاعية جديدة، ومن شأن الشراكة أن تتيح للشركات البريطانية فرصًا للحصول على هذه التمويلات.

ويقول كيفن كرافن، الرئيس التنفيذي لرابطة ADS، المُمثّلة لقطاعات الطيران والدفاع: "هناك اهتمام أوروبي حقيقي بالتعاون معنا، خاصة في ظل الحاجة لرفع الطاقة الإنتاجية منذ بداية الحرب في أوكرانيا".

ويتفق كالوم ميلر، المتحدث باسم الديمقراطيين الليبراليين في الشؤون الخارجية، مع هذا الرأي، مُعتبرًا أن الاتفاق يمثل "فرصة استراتيجية" للمملكة المتحدة للمشاركة في رسم مستقبل الأمن الأوروبي، مشيرًا إلى أن لندن تشارك بالفعل في تحالفات أوروبية منذ غزو روسيا لأوكرانيا.

لكن الباحثة جيل روتر ترى أن العلاقات الدفاعية تطورت فعليًا منذ سنوات، وأن الاتفاق الجديد قد لا يحدث تحولًا جذريًا، رغم ما يحمله من فرص إضافية للتعاون المستقبلي.

<span style=
هل تعود بريطانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي

التفتيش على الحدود والاتفاق البيطري

من أبرز البنود الخلافية في المفاوضات الحالية مسألة اتفاق "بيطري" يهدف إلى تقليص عمليات التفتيش على الأغذية والمشروبات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد صرح وزير مكتب مجلس الوزراء نيك توماس-سيموندز بأن خفض أسعار السلع يُعد من أهداف الحكومة، وبالتالي هناك تفويض للتفاوض.

القطاع الغذائي البريطاني يطالب بهذا التغيير بشدة. على سبيل المثال، تقول جوليان بونان، صاحبة شركة "كرييتيف نيتشر"، إن إجراءات ما بعد البريكست قلصت صادراتها إلى أوروبا بشكل كبير بسبب التعقيدات البيروقراطية، لدرجة أن إحدى موظفاتها اضطرت لنقل عينات في أمتعتها يدويًا إلى إسبانيا لتجنب تأخيرها عند الحدود.

وفي أيرلندا الشمالية، التي تخضع لترتيبات خاصة بعد البريكست، ساهمت الإجراءات الجديدة في تعقيد حركة البضائع بين بريطانيا والجزيرة، ما أثار غضبًا بين السياسيين الوحدويين.

غير أن هذا الاتفاق البيطري قد يُلزم بريطانيا بتقارب تدريجي مع قوانين الاتحاد الأوروبي، ما يعني إشرافًا من محاكم أوروبية، وهو ما يرفضه المحافظون، واصفين الأمر بـ"قمة الاستسلام"، ومؤكدين أنه يُقوّض استقلالية التشريعات البريطانية.

لكن الليبراليين الديمقراطيين يرون أن الحكومة الحالية لا تذهب بعيدًا بما يكفي. فهم يطالبون بالنظر في إقامة اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، لتسهيل حركة السلع، رغم ما قد يترتب على ذلك من تقييد حرية التفاوض التجاري لبريطانيا.

 

ملف الصيد في عمق المفاوضات

الصيد البحري، الذي شكل رمزًا للبريكست، يعود مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات. فقد وافقت حكومة بوريس جونسون سابقًا على تمديد حقوق الصيد لقوارب الاتحاد الأوروبي حتى عام 2026، وهو أمر أثار حفيظة الصيادين البريطانيين، ويُراد الآن مراجعته.

يرى ديفيد ديفيس، الوزير السابق لشؤون البريكست، أن الحكومة البريطانية قدّمت تنازلات كبيرة سابقًا، وينصح اليوم بالتحلي بالصلابة واستخدام الصيد كورقة ضغط. لكنه يعترف بأن بروكسل تملك بدورها أوراقًا قوية، خصوصًا أن جزءًا كبيرًا من الأسماك البريطانية يُباع في أسواق الاتحاد.

<span style=
هل تعود بريطانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي

حرية تنقل الشباب: توجه جديد؟

أحدثت فكرة "اتفاق تنقل الشباب" بين لندن وبروكسل – والتي تتيح للمواطنين تحت سن الثلاثين العيش والعمل مؤقتًا في كلا الجانبين – ضجة كبيرة مؤخرًا. فبعد أن أنكرت الحكومة وجود خطط في هذا الصدد، أعلنت مؤخرًا عن استعدادها لدراسة المبادرة، بشرط أن تكون محدودة ومنضبطة.

بريطانيا لديها اتفاقات مشابهة مع 13 دولة، بينها أستراليا واليابان. ويتساءل كالوم ميلر: "إذا كنا نشعر بالراحة تجاه هذه العلاقات، فلماذا نرفضها مع جيراننا الأقرب؟"

وترى الباحثة بولا سوريدج من جامعة بريستول أن الهجرة، كمفهوم، أكثر تعقيدًا مما يظن البعض. وتوضح أن أغلب البريطانيين لا ينظرون بعين القلق إلى الطلاب أو الشباب الذين يأتون للعمل، بل ينصب تركيزهم على ما يعتبرونه هجرة "غير شرعية".

 

ما بعد القمة: ما الهدف؟

بينما يصف بعض المعارضين هذه التحركات بأنها "بوابة خفية للعودة إلى الاتحاد الأوروبي"، يؤكد توماس-سيموندز أن الحكومة لن تتراجع عن خطوطها الحمراء: لا عودة إلى الاتحاد الجمركي، ولا السوق الموحدة، ولا حرية التنقل.

ويقول: "هدفنا هو إنجاح البريكست، وجعله يعمل لصالح الشعب البريطاني".

في الوقت الذي واصل فيه السياسيون الأوروبيون اجتماعاتهم في ألبانيا وتركيا، بقيت في ردهة قصر لانكستر هاوس لوحة تاريخية تعود للقرن التاسع عشر، تُصوّر دوق ولينغتون – بطل معركة واترلو – وهو يُحيي جنوده.

لن تكون القمة القادمة لحظة فاصلة في التاريخ البريطاني الأوروبي المعقد، لكنها قد تكون بداية تحولٍ هادئ ومؤثر، يستحق من صانعي القرار التوقف عنده والتأمل فيه – ولو للحظة.

تم نسخ الرابط