كيف تراقب إسرائيل زيارة دونالد ترامب لدول الخليج ؟

تأتي جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي يُجريها في الوقت الراهن لثلاث دول بمنطقة الخليج العربي تشمل كلا من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، في ظل أجواء مشحونة من الفتور بينه وبين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى الحد الذي ذهبت فيه إذاعة الجيش الإسرائيلي في تقرير لها إلى وصف ذلك الفتور بـ "القطيعة" في التواصل المباشر بين الجانبين، وهو ما نفاه رئيس الوزراء الإسرائيلي واصفا العلاقة بـ "الممتازة". ومن ثم، تُثير هذه التكهنات التي تعززها بعض المؤشرات التي اعتمد عليها المراقبون في رصد ملامح التغير في علاقة الجانبين، التساؤل حول تأثير ذلك على أجندة زيارة الرئيس الأمريكي، ومقرراتها التي ينبغي أن يعلن عنها من إجراءات، في إطار صفقات إقليمية واسعة خاصة في ظل التوترات المتصاعدة على أكثر من جبهة، والتي تنخرط فيها تل أبيب، حيث لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي يراهن على قدرته على حسم هذه الصراعات عبر المسار العسكري وتحقيق ما يروج له بـ "النصر المطلق".
المتابعة الإسرائيلية وحسابات اللحظة الراهنة
ووفقًا لدراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، انعكست حالة الاستقطاب الداخلي الذي تعانيه تل أبيب وتصاعدت حدته خلال الفترة الماضية ارتباطا بطول أمد الحرب التي تخوضها ضد قطاع غزة، وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها التي أعلنتها لهذه الحرب، في حالة متابعة الداخل الإسرائيلي لتفاعلات العلاقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي وما تتحدث عنه التقارير من توترات في علاقة الجانبين، وانعكاسات ذلك على أجندة زيارة الرئيس الأمريكي التي يُجريها في الوقت الحالي للمنطقة، وما يمكن أن تحمله من مفاجآت مهد لها الأخير بإشارته خلال لقاءه برئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني، بأنه سيكون هناك ما وصفه بـ "إعلان كبير جدا جدا سنقوم به، بحجم لم يسبق له مثيل".
وقد دفع ذلك البعض للتكهن حول احتمالية أن يكون ذلك مرتبطا بجولة زيارته للشرق الأوسط، والتي من المفترض أن تشمل القضية الرئيسية على الأجندة الإقليمية والمرتبطة بالحرب الإسرائيلية التي تشنها ضد قطاع غزة وتدخل عامها الثاني دون أن يلوح في الأفق حل لإيقافها في ظل الحسابات السياسية الضيقة التي ينطلق منها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته من اليمين المتطرف.
وفي هذا الصدد، انقسمت المتابعة ما بين تيار يقوده أهالي الأسرى والمعارضة يبني آمالا على أن يكون ذلك بادرة لفرض مزيد من الضغط الأمريكي على بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته للذهاب إلى اتفاق تهدئة يتم بموجبه إطلاق سراح ذوويهم، خاصة في ظل متابعتهم نجاح الرئيس الأمريكي في التوصل لصفقة مباشرة مع حماس تمكن من خلالها من الإفراج عن الجندي الأسير الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر، وتيار آخر رسمي يمثله رئيس الوزراء الإسرائيلي وأعضاء حكومته، والذي ينفي بدوره وجود أية شوائب أو توترات في العلاقات مع الرئيس الأمريكي واصفا إياها بـ "الممتازة". وأكد ذلك أيضا عدد من مسئولي الإدارة الأمريكية، ومن أبرزهم المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الذي أكد في تصريحات له لأحد المواقع الإخبارية الإسرائيلية اليمينية في 11 مايو 2025، متانة العلاقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي وإنهما "ودودان وصديقان حميمان" بحسب تعبيره، إلا أن ذلك لم يجعله ينفي بشكل كامل وجود تباينات محتملة في وجهات النظر، حيث أضاف إن هذا لا يعني أنهم يتفقون "في كل شيء على الإطلاق".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه التصريحات والتي تعززها عدد من المؤشرات تعكس وجود تباينات محتملة بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي ارتبطت بدرجة أساسية بمنهج التفاوض والحل الذي يتبعه كل طرف، والذي يرتبط بالأساس بالحسابات السياسية لكل منهما، إلا أنها لا ترقى إلى درجة الخلاف حول الجوهر والاستراتيجية. فالطرفان يتفقان حول وحدة الهدف المرتبط بتحييد محور الممانعة الذي تقوده إيران في المنطقة، لتعزيز نفاذية تل أبيب وملء الفراغ المتولد في إطار شراكات إقليمية تضمن استدامة الهيمنة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية بالنسبة لمصالحها وتقويض النفوذ (الصيني - الروسي)، وتعالج في الوقت ذاته الخلل المزمن - من وجهة نظر الإدارة الأمريكية - للتواجد الأمريكي وما يستلزمه من أعباء مالية ودفاعية.
ورغم وحدة الهدف بين الجانبين حول إضعاف إيران ودعم عملية التطبيع، إلا أن الرئيس الأمريكي يبدو أنه يفضل العمل على تحقيق هدفه عبر المسار الهجين (السياسي والعسكري)، بحيث يكون الخيار العسكري خيارا للتلويح وتعزيز الردع لتحسين موقفه التفاوضي وليس كخيار نهائي للتسوية، وهو ما يبدو أنه يأتي كمنهج مغاير لمنهج رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يراهن على المسار العسكري فقط، ودعم عملية التطبيع دون تقديم تنازلات تراعي حسابات الدول الإقليمية في المنطقة، وتحفيز ذلك من خلال ربط أهداف المسار العسكري بالتحييد الكامل لتهديد إيران، بل وتحفيز التصعيد نحو توجيه ضربة عسكرية للبنية التحتية النووية الإيرانية.
ولعل هذا التباين قد عكسته أزمة مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل والتز، الذي أقاله الرئيس الأمريكي وعينه سفيرا لدى الأمم المتحدة، وذلك على خلفية ما أثير من تقارير تتحدث عن انخراطه في تنسيق مكثف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن الخيارات العسكرية ضد إيران قبل اجتماع الأخير مع الرئيس الأمريكي في واشنطن في فبراير الماضي، وهو ما يبدو أنه أثار استياء الرئيس الأمريكي عندما بدا أن مستشاره للأمن القومي الذي عينه وكأنه يتبادل القناعة المشتركة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بتفضيل الخيار العسكري ضد إيران، وذلك على عكس قناعاته وحسابات المصلحة الأمريكية التي دفعته لاتخاذ مسار المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، والتي عبر عنها خلال تصريحاته في مقابلته بمجلة "تايم" الأمريكية التي نشرت في 25 أبريل 2025، حيث أكد بأنه "لن يسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجره إلى حرب مع إيران"، مجددا أمله في حل القضية من خلال المفاوضات كخيار مفضل على "إسقاط القنابل" بحسب تعبيره، ومعربا أيضا عن انفتاحه على لقاء المرشد الأعلى لإيران أو الرئيس الإيراني.
ارتباطا بهذه المعطيات التي عكست تباينات حول منهج الحل والتفاوض بين الجانبين، على نحو ربما دفع الرئيس الأمريكي إلى اتخاذ بعض الخطوات التي تعكس تمتعه بالاستقلالية في علاقته مع الحكومة الإسرائيلية بما يراعي المصلحة الأمريكية، وأنه هو من يقود العلاقة وليس رئيس الوزراء الإسرائيلي على غرار ما كان يفعل مع نظيره السابق جو بايدن، ويعوّل أيضا في هذه الخطوات على قدراته التي يثق فيها بالتفاوض والحصول على تنازلات، جاءت مفاوضاته المباشرة مع حركة حماس، والتي أفضت في النهاية إلى الوصول لصفقة تم بموجبها الإفراج عن الأسير الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، الذي فشل نتنياهو عبر المسار العسكري في تحريره. بالإضافة إلى إعلانه عن التوصل إلى اتفاق مع جماعة الحوثي اليمنية التي أكدت على التزامها بعدم استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، دون أن يشتمل ذلك على التزام مماثل بشأن إسرائيل.
أثارت هذه التحركات القلق الشخصي لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي ربما اعتبر أنها تمثل بوادر استقلالية في عمل الرئيس الأمريكي وفق حساباته السياسية واعتبارات الداخل الأمريكي، التي قد تقوده في أي لحظة للعمل ضد حساباته الشخصية (وليس ضد حسابات ومصالح تل أبيب). وكانت بداية هذا القلق مع خطوة التفاوض المباشر الذي قامت به الإدارة الأمريكية عبر مبعوثها لشئون الرهائن آدم بوهلر في مارس الماضي (2025)، وتم التأكيد في ذلك الوقت على المسار المستقل للحركة الأمريكية، وهو ما أكده بوهلر حينما أوضح في تصريحاته لشبكة CNN قائلاً: "لسنا عملاء لإسرائيل. لدينا مصالح محددة". ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد تلقف هذه الإشارات واتخذ خطوته في الرد باختيار مسار التصعيد بالانقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار وعدم المرونة لتمديده، والذي كان من المفترض أن يمتد ليشمل فترة زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة - التي لم يكن قد أعلن عنها وقتئذ – بحيث تساعد على تبريد الساحات خلال الزيارة بما ينعكس إيجابا على أجواءها وتحفيز الشراكات الثنائية مع الدول المستهدفة بالزيارة وتعزز مصداقية الرئيس الأمريكي في تطبيق رؤيته بإحلال السلام، وهو ما كان وعد به وزايد فيه على موقف الإدارة السابقة. ويفسر اختيار رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا المسار التصعيدي في الرد ارتباطه بحساباته الإئتلافية الضيقة التي كانت تتطلب تعزيز تماسك الإئتلاف وعودة الأحزاب اليمينية الشاردة، التي كانت قد انسحبت من الحكومة نتيجة اتفاق وقف إطلاق النار، على غرار حزب "عوتسما يهودت" بزعامة اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، وذلك من أجل تمرير ميزانية 2025، وضمان استقرار الائتلاف، بما ينعكس إيجابا على تعزيز موقفه في مواجهة أية ضغوط أمريكية محتملة.
سياق الزيارة وبدائل الحركة الإسرائيلية
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يراقب جولة الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، والتي استثنى فيها زيارة تل أبيب كإحدى المحطات، بحذر وشك بشأن مخرجاتها خاصة في ظل الأجواء التي أشيعت حولها بشأن "الإعلان الكبير جدا جدا" الذي أشار إليه الرئيس الأمريكي قبيل زيارته، وكذلك التقارير التي تحدثت عن احتمالية اتجاه الأخير للاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال الزيارة، والتي ربما يفهم من خروجها في ذلك التوقيت الرغبة في تلطيف أجواء الزيارة. وبالتالي تراود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعض الشكوك حول الأثر المضاعف للضغط الأمريكي المحتمل، والذي ستخلفه جولة زيارة الرئيس الأمريكي ولقاءه عدد من قادة دول المنطقة التي عبرت طيلة الفترة الماضية عن رفضها استمرار الحرب الإسرائيلية والانتهاكات التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني.
وفي هذا الإطار، يُمكن الإشارة إلى أنه ليس من المتوقع أن يُدير رئيس الوزراء الإسرائيلي موقفه في إطار تصادمي مباشر مع الإدارة الأمريكية، وإنما سيعمل على اختيار مسار بديل متوازي مع تحركها يحافظ به على حشد قواعده الانتخابية من اليمين المتطرف عبر إجراءات تصعيدية سواء تمثل ذلك في التصعيد ضد الحوثي أو اتخاذ إجراءات بترسيخ وتوسيع الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، وكذلك التصعيد ضد قطاع غزة، على غرار تكثيفه الراهن للهجمات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على مناطق مختلفة بالقطاع أثناء زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، في رسالة غير مباشرة أراد أن يبعث بها باستقلالية حركته وإنه مازال يدير المشهد على الأرض ويفرض حضوره المرتبط بتحوطه وتحصنه بحاضنة الدعم التي يوفرها له شركاؤه من أحزاب اليمين المتطرف. ومن ثم، يرفع من كلفة الإضرار باستثناءه وعدم مراعاة حساباته السياسية الضيقة لبقاء الائتلاف سواء كان ذلك مرتبطا بمسار التفاوض حول وقف إطلاق النار بالقطاع، أو الترتيبات الإقليمية الأخرى بشأن سوريا ولبنان واليمن، والتي تتبلور بعض ملامحها في الوقت الراهن على هامش زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة.
ارتباطا بهذا التحرك، سيعمل بنيامين نتنياهو على تعزيز حضوره وتجاوز خسائره التي تضعف موقفه التفاوضي نظرا لعدم نضج الظرف الإقليمي، المرتبط بفشله في تحقيق "النصر المطلق" على كافة الجبهات، الذي روج له، وهو ما يُضعف موقفه مع الرئيس الأمريكي الذي كان قد طالبه أثناء حملته الانتخابية قبل مجيئه للبيت الأبيض بإنهاء الحرب "منتصرا" ليتمكن من فرض شروطه، وهو ما فشل في تحقيقه على النحو المأمول.
ومن ثم، سيواصل نتنياهو رهانه على فرض السلام في إطار ما يروج له بتغيير ملامح الشرق الأوسط، وعدم الاضطرار لتقديم تنازلات، بحيث تكون مرونة موقفه محصورة فقط في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وإيقاف مخططات التهجير للحفاظ على ما تبقى من أراضٍ يتم تنسيق صيغة توافقية لإدارة الحكم بها، بحيث يكون ذلك هو أقصى ما يمكن أن تذهب إليه الأطراف العربية كثمن مقبول لتطبيع العلاقات، وهو ما ترفضه الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وأكدت ذلك في مواقف عديدة.
في المقابل لذلك، يبدو أن الرئيس الأمريكي الحالي استفاد من متابعته لمنهج تعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الإدارة الأمريكية السابقة وحجم المناورة التي سمحت لنتنياهو بأن يقود العلاقة بين الجانبين، ويواجه تطلعات الرئيس السابق جوبايدن التي تتعارض مع تطلعاته وحساباته السياسية، وذلك من خلال بوابة المزايدة على الموقف الأمريكي في وقت الحرب تجاه أية قرارات تروج السردية الإسرائيلية إلى أنها تضعف موقفها لصالح محور الشر الذي تقوده إيران.
وفي هذا الإطار، يتعزز موقف الإدارة الأمريكية الحالية عن سابقتها ارتباطا بالثقة والحضور الذي تتمتع به لدى الجمهور اليميني الذي يحشده ويغازله نتنياهو ويحتمي به، وذلك ارتباطا بعدد من الإجراءات التي راكمتها الإدارة الأمريكية خلال الفترة الماضية منذ تنصيب الرئيس الأمريكي. ومنها على سبيل المثال، اختيار ترامب أعضاء إدارته ممن اشتهر عنهم انحيازهم الواضح ودعمهم الكبير لصالح تل أبيب، بالإضافة إلى إجراءات الدعم الكبيرة التي شملها في أولى قراراته الرئاسية لصالح تل أبيب وقت تنصيبه، وما يحمله ذلك من دلالة رمزية، فضلا عن تصريحاته التي أيد فيها قبوله للمقترح الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين من القطاع، وهو ما تلقفته بشكل إيجابي الحكومة الإسرائيلية وأعضاؤها من اليمين المتطرف وتفاخروا بالإدارة الأمريكية الجديدة.
تعزز هذه الوضعية للإدارة الأمريكية لدى الداخل الإسرائيلي هامش حركتها وقدرتها على محادثة الجمهور اليميني الإسرائيلي فوق رؤوس قادته للمزايدة على موقف الحكومة الإسرائيلية وليس العكس، طالما أرادت أن تكون الأخيرة "جزءا من المشكلة وليس الحل" وفقا لرؤية الرئيس الأمريكي، وهي إحدى أدوات الضغط الرئيسية التي ربما يُناور بها في الوقت الحالي الرئيس الأمريكي لاقتياد العلاقة بما يفيد واشنطن وتل أبيب وفقا لرؤيته. ويخدّم على ذلك في الوقت الراهن المكاسب الجزئية المتحققة بفضل منهج الرئيس الأمريكي، والمرتبطة بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين وكان آخرهم الأسير عيدان ألكسندر الذي تحرر بموجب اتفاق مباشر بين الإدارة الأمريكية وحماس بمعزل عن بنيامين نتنياهو. ولعل ذلك التوجه عكسته أيضا تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، التي كان أدلى بها في 11 مايو الجاري (2025) لعائلات الرهائن بحسب القناة 12 الإسرائيلية، والتي أوضح فيها أنه "لا يتفق مع نهج إسرائيل تجاه الحرب في القطاع، ويعتقد أن إسرائيل تمدد الحرب بلا جدوى في حين أن التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد وإطلاق سراح الرهائن هو الخطوة الصحيحة التالية"، وهو ما أوضحت عائلات الأسرى بحسب القناة الإسرائيلية إنها "لم تسمع هذا النوع من الانتقادات لسياسة الحكومة الإسرائيلية من ويتكوف في الماضي".
ختاما، يمكن القول إن الموقف المتعنت والرافض من جانب الإئتلاف الإسرائيلي الذي يقوده نتنياهو للمرونة بشأن أية صفقات قد تتطلب منه تقديم تنازلات بشأن تسوية القضية الفلسطينية وإحلال سلام مستدام في المنطقة، وحصر مرونته فقط في الذهاب لاتفاق وقف إطلاق نار لا يترافق معه مفاوضات سياسية بشأن الحل النهائي، بالإضافة إلى وضع بعض الشروط التعجيزية الأخرى، تمثل حجر عثرة لتضمين التطبيع بين تل أبيب ودول المنطقة وخاصة المملكة العربية السعودية، وهو ما يتعارض مع رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبنية السلام الإقليمي في المنطقة التي يرغب في تعزيزها بشراكات اقتصادية وأمنية مستدامة تكون إسرائيل أحد أطرافها، والتي من شأنها تخفيف الأعباء المالية والدفاعية التي يستلزمها التواجد الأمريكي بالمنطقة، على نحو يجعل توجه الرئيس الأمريكي متسقا مع برنامجه الانتخابي الذي جاء به والتزم به في وعوده لناخبيه.
في ضوء معطيات هذا السياق المعرقل لرؤية الرئيس الأمريكي، فإنه سيكون مضطرا لتحفيز المسار الثنائي للعلاقة مع دول الخليج العربي وتعزيز الشراكات الأمنية والاقتصادية معها، مع احتمالية أن لا ترتقي هذه الشراكات إلى المستوى الذي كانت تأمله الأخيرة، في ضوء العقبات المحتملة لتأمين موافقة الكونجرس إذا لم تشمل الاتفاقات تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وستعمل الأخيرة بطبيعة الحال على تعزيز هذه العراقيل عبر لوبيات الضغط، وهو ما من شأنه دفع المشهد نحو الاستمرار على شكل التعاون والتنسيق غير المباشر مع تل أبيب دون أن يتوج ذلك بتوسيع دائرة الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل عددا أكبر من دول المنطقة والتعويل في المقابل على تغير المشهد السياسي في تل أبيب، ومجئ ربما رئيس حكومة جديد غير مأزوم كرئيس الوزراء الحالي، دون أن يترافق مع ذلك تفاؤل واسع بأن تتغير توجهات أية حكومات إسرائيلية قادمة، والتي ستكون محكومة بمعادلة اليمين، وربما اليمين الديني المتطرف في المعارضة، بحيث تقود مسارات التسوية في الأخير نحو تسكين الوضع وإدارة الصراع دون الحل النهائي مع تحييد التكلفة في ظل معادلات الضعف التي فُرضتَ ضد جبهات المواجهة.