عاجل

مشهد إقليمي مغاير..ما هي الملفات ذات الأولوية في زيارة ترامب للشرق الأوسط؟

الرئيس الأمريكي ترامب
الرئيس الأمريكي ترامب

في أول زيارة خارجية له في ولايته الثانية غير متتالية – باستثناء زيارة الفاتيكان –  وصل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى المملكة العربية السعودية في 13 مايو 2025 في زيارة تمتد حتى 16 مايو 2025 تشمل أيضًا زيارة قطر والإمارات العربية المتحدة، في وقت تموج فيه منطقة الشرق الأوسط بعدد من الأزمات المعقدة. هذا، وقد وصف “ترامب” جولته الخليجية بـ “التاريخية”، فيما كشف المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، “سامويل وربيرج”، في تصريح خاص لـ “اليوم السابع“، أن أهداف الزيارة تشمل “تعزيز التعاون في مجالات الأمن والدفاع”، دعم الاستقرار في ملفات حساسة كاليمن وغزة، وأيضًا “توسيع العلاقات الاقتصادية والاستثمارية في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا”. وهو المشهد الذي يثير التساؤل بشأن الملفات ذات الأولوية والنتائج المتوقعة للزيارة.

مشهد إقليمي مغاير:

وفقًا لدراسة أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن زيارة الرئيس “ترامب” تأتي للدول الخليجية الثلاث بعد أشهر قليلة من وصوله للبيت الأبيض في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط مشهدًا مختلفًا تمامًا عن المشهد الذي غلف الإقليم خلال ولايته الأولى؛ إذ تواجه المنطقة حاليًا حالة من الجموح الإسرائيلي التي لم تتوقف عند غزة، التي تعاني حالة من التدمير الهائل صاحبها آلاف الشهداء والمصابين معظمهم من النساء والأطفال، وإنما طالت لبنان وسوريا أيضًا، وهو الأمر الذي ساهم في تعطل مسار التطبيع الإبراهيمي الذي نجح “ترامب” في تدشينه خلال الولاية الأولى. 

علاوة على ذلك، تشهد إيران حالة من الضعف الاستراتيجي الذي نجم عن انكسار أذرعها ووكلائها، وفي مقدمتهم التداعي السريع لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا على يد هيئة تحرير الشام، ناهيك عن حالة الإضعاف الكبيرة التي مُني بها حزب الله في لبنان على يد إسرائيل. 

وعلى النقيض من ذلك، تزايدت قوة أحد الأذرع الإيرانية ممثلة في الحوثيين باليمن التي قامت بعمليات من شأنها تعطيل الملاحة في البحر الأحمر، بل وشنت هجمات على إسرائيل، كما عملت الحركة على الربط بين سلوكها المزعزع للاستقرار باستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة. وهو المشهد الذي عزز من التكهنات المتعلقة بتخلي إيران عن دعم الحوثيين في سبيل التقارب مع الولايات المتحدة، ولا سيما على خلفية المباحثات الجارية بين واشنطن وطهران برعاية سلطنة عمان. 

سياق مركب للزيارة:

على الرغم من التماهي الكبير للإدارة الأمريكية مع الرؤية الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بشأن الوضع في غزة وكيفية التعامل مع التطورات الحرجة الجارية هناك، فإن الكشف عن وجود اتصالات بين واشنطن وحماس أدت لاتفاق من شأنه إطلاق سراح مزدوج الجنسية الإسرائيلي الأمريكي “عيدان ألكسندر” قد يبدو كصفعة لإسرائيل، ولا سيما في ضوء قيام الإدارة الأمريكية بعدد من التحركات المؤرقة لإسرائيل كالدخول في مباحثات مع إيران والاتجاه للاتفاق مع الحوثيين. 

وهي المسألة التي دفعت بعض التحليلات إلى المبالغة في تقدير وجود خلاف كبير بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وبالأخص مع عدم إدراج إسرائيل ضمن جدول الزيارة. وهو الأمر الذي برره السفير الأمريكي لدى إسرائيل، “مايك هاكابي“، في مقابلات مع وسائل إعلام إسرائيلية لدى سؤاله عن أسباب عدم زيارة “ترامب” لإسرائيل في جولته الحالية، بالاستناد إلى أن الزيارة “تركز على القضايا الاقتصادية”. ما يعني أن قرار “ترامب” بعدم زيارة إسرائيل يستند إلى رغبته في تغليب الطابع الاقتصادي للزيارة على الطابع السياسي، وليس بالضرورة نتيجة لوجود خلافات. 

ومن ثم، يبدو أن الدافع الأساسي للتحركات الأمريكية التي تستهدف التهدئة هو رغبة “ترامب” في إحداث اختراقات وتحقيق إنجازات سريعة وتمهيد الطريق أمام إتمام الصفقات التي ينوي توقيعها خلال جولته. وهي المسألة التي تؤشر على وجود رغبة كبيرة لدى “ترامب” لتغليف زياراته للمنطقة بمجموعة من الإنجازات. وهو ما يمكن استقراؤه في التصريح الذي أدلى به مبعوث واشنطن لشؤون الرهائن “آدم بولر” والذي اعتبر خلاله أن زيارة “ترامب” للمنطقة هي التي حفزت خطوة الاتفاق مع حماس.

علاوة على ذلك، وفي ضوء الاهتمام الكبير الذي يبديه “ترامب” بالصفقات التجارية والاستثمارات، تأتي الجولة الخليجية لـ “ترامب” في أعقاب وعود استثمارية ضخمة في مجالات متنوعة من قبل دول الخليج. في حين تعكس إشارة “ترامب” لإمكانية زيارة تركيا في جولته الحالية تقديره للدور التركي في سوريا الذي لا يسد فقط الفراغ الناجم عن تواضع الاهتمام الأمريكي بالساحة السورية، وإنما يمثل أيضًا عائقًا أمام إعادة التموضع الروسي أو الإيراني هناك.

أبرز الملفات.. الصفقات مقابل الأزمات:

على الرغم من الرغبة الأمريكية التي امتدت لما يزيد عن العقد في تقليل الاهتمام بالشرق الأوسط في سبيل التركيز على منطقة المحيطين (الهندي – الهادئ)، فإن إدارة “ترامب” قد أولت الأهمية للشرق الأوسط في أشهرها الأولى، وتعكس زيارة الرئيس “ترامب” إدراكه لوجود فرصًا بمنطقةٍ عادةً ما يُنظر إليها من منظور المخاطر والتهديدات. 

وفي هذا السياق، جادل موقع “أكسيوس” الأمريكي بأن رحلة “ترامب” إلى السعودية وقطر والإمارات “تدور حول المال بشكل أساسي”، وقد استند الموقع إلى تصريح مسؤول عربي أكد فيه أن “أجندته الإقليمية هي الأعمال، الأعمال، الأعمال”. وهو ذات ما أكدته شبكة “سي إن إن” مستندة إلى ما أكده عدد من مسؤولي إدارة “ترامب” بأن الأولوية القصوى للرئيس هي إبرام “اتفاقيات اقتصادية” مع السعودية وقطر والإمارات من شأنها تعزيز استثمارات هذه الدول في أمريكا. وهو ما جادلت به صحيفة “نيويورك تايمز” معتبرة أن أجندة الزيارة تتوافق بشكل مثالي مع خطط “ترامب” التجارية؛ فلدى عائلته صفقات تتصل بمجال العقارات مع شركات سعودية وقطرية، وأيضًا مجال العملات الرقمية مع شركة إماراتية.

بعبارة أخرى، على الرغم من وجود العديد من القضايا المهمة التي تموج بها المنطقة إلا أنه يبقى من المتوقع أن تركز زيارة “ترامب” إلى الشرق الأوسط – إلى حد كبير – على الصفقات التجارية والاستثمارات الجديدة من دول الخليج، وبالأخص في مجالات الدفاع والنقل الجوي والطاقة والذكاء الاصطناعي. وهو ما يمكن استنتاجه من تصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض “كارولاين ليفيت” والتي أوضحت فيه أن “الرئيس يتطلع لبدء عودته التاريخية الى الشرق الأوسط”، وذلك للترويج لرؤية سياسية “يُهزم فيها التطرف لصالح التبادلات التجارية والثقافية”. 

إلا أنه يبقى من الصعب أمام “ترامب” تجنب القائمة الطويلة من الأزمات الإقليمية، بما في ذلك الحرب في قطاع غزة، والتوتر مع الحوثيين في اليمن، والمرحلة الانتقالية المضطربة التي تشهدها سوريا، وكذا الملف النووي الإيراني. لذلك، يمكن النظر إلى مساعي تهدئة التوترات التي تقوم بها إدارة “ترامب” كمحفزات على إتمام الصفقات التجارية والاستثمارية التي يطمح لها، وكذا تعزيز صورة واشنطن في ظل رئاسته كفاعل رئيس وقوي. لكن حجم فاعلية هذه المساعي يتوقف بشكل أساسي على حجم الضغوط التي يمكن أن تفرضها واشنطن على إسرائيل في سبيل التوقف عن سلوكها الدموي والعدواني، بهدف إعادة تحفيز مسار السلام الإبراهيمي مجددًا لتحقيق التطبيع بين السعودية وإسرائيل. 

وفيما يتعلق بالتعاطي مع أزمات المنطقة، يتضح أنه لم تتكشف سوى تفاصيل قليلة حول المحادثات المحتملة بين “ترامب” والرئيس اللبناني “جوزيف عون”، لكن تظل هناك مطالبات لبنانية لواشنطن بالضغط على إسرائيل لإكمال انسحابها من الأراضي اللبنانية. وفيما يتعلق بسوريا، يتضح أن إدارة “ترامب” تتجه لتخفيف أو ربما رفع العقوبات، ولا سيما في ضوء ما أفادت “رويترز” من اعتزام الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بطرح خطة استراتيجية على “ترامب”، تتضمن اتفاقًا محتملًا مع إسرائيل ووصولًا أمريكيًا إلى احتياطيات النفط والغاز السورية. كما يظل من غير المتوقع أن يتم إبداء الاهتمام بالوضع في السودان أو الأزمة الليبية أو أزمة الدولة اليمنية.

أما عن إيران، فمن المرجح أن يكون هناك اهتمام كبير من جانب دول الخليج للحصول على تصور أمريكي بشأن التعامل مع إيران والحوثيين، وذلك لأن الخليج هو من سيتحمل تكلفة وقوع أي مجازفة، وبالأخص مع شروع واشنطن وطهران في مسار محادثات يهدف للتوصل إلى اتفاق جديد. وهو الملف الذي سيكون وثيق الصلة بالترتيبات الأمنية التي ستسعى دول الخليج لوضعها بالتعاون مع الولايات المتحدة.

أما فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة ومسار الدولة الفلسطينية، يتضح أن إدارة “ترامب” تواجه ثمة معضلة واضحة؛ فمن جانب لن تتنازل إدارة “ترامب” أبدًا عن دعمها لإسرائيل، وبالأخص مع الدور المتزايد لليمين المسيحي في الولايات المتحدة؛ فقد زار عدد من أبرز الرموز الإيفانجيليكية الأمريكيين، بمن فيهم “رالف ريد” و”توني بيركنز” و”ماريو برامنيك” إسرائيل في مارس الماضي معلنين دعمهم لسيادة إسرائيل على الضفة الغربية. وهو ذات ما أكده “ترامب” عندما سُئل في فبراير الماضي، خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن موقفه من ضم الضفة الغربية، قال إن “الناس تُحب الفكرة”، وإنه سيكون هناك “إعلان على الأرجح حول هذا الموضوع تحديدًا خلال الأسابيع الأربعة المقبلة”. 

ومن جانب آخر، يعد العودة لمسار السلام الإبراهيمي ضمن أبرز أهداف “ترامب” في المنطقة بالاستناد إلى الرؤية الأمريكية التي ترى في استكماله شرطًا أساسيًا لتأطير وضعًا أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا مشترك يساهم في تخفيف العبء عن واشنطن ويكبح جماح نفوذ الخصوم في المنطقة، الصين وروسيا وإيران. لكن يظل استمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة واعتمادها الكثيف على الآلة العسكرية في تفاعلاتها بالمنطقة يمثل معرقل أساسي لدفع مسار التطبيع الإبراهيمي قدمًا.

واستنادًا إلى ذلك، ومع صعوبة توقع حدوث تغير كبير في موقف “ترامب” من غزة على وجه الخصوص والقضية الفلسطينية بشكل عام، فإنه قد يتجه لتعزيز المسار الإنساني في غزة كبادرة إيجابية في سبيل إعادة تحفيز مسار التطبيع الإبراهيمي. وهو ما تم الكشف عنه قبل زيارة “ترامب”، وقد قوبلت الخطة الأمريكية لتوزيع المساعدات الإنسانية بموافقة إسرائيلية رغم رفض تل أبيب المشاركة فيها.

وفيما يتعلق برؤية “ترامب” للتعامل مع المنطقة، يتضح أن هناك فرص لتوظيف نهجه المعاملاتي التجاري لبناء إطار إقليمي مختلف؛ وهو طرحه “جيمس جاي كارافانو”، في تحليله المنشور على المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، موضحًا أن “ترامب” قد يتجه صوب إعادة تحفيز الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) عبر مزجه برؤية السلام الاقتصادي التي طرحها في ولايته الأولى، لجعل الشرق الأوسط منطقة حرة ومفتوحة يعمها الاستقرار الإقليمي والنمو الاقتصادي. مضيفًا أن هذا التصور لا يستند إلى وضع بنية اقتصادية فقط، وإنما بنية أمنية أيضًا تضمن الترابط الأمني بين أعضاء الإطار الإقليمي الجديد، وهو ما سيحتاج بالضرورة إلى تفعيل التطبيع السعودي الإسرائيلي.

استنادًا إلى التحليل السابق، تحمل الزيارة فرص هائلة لتوقيع العديد من الصفقات في المجالات المختلفة، كما توفر الزيارة فرصة أمام “ترامب” لاستغلال اللحظة وإنجاز “اختراق عظيم” من خلال تأطير مسار أكثر توازنًا لا يقوم على التماهي التام مع الرؤية الإسرائيلية المتطرفة، وإنما ينبع من حقيقة الأوضاع على الأرض، والتي تستند إلى التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في غزة وتدفقًا كبيرًا للمساعدات الإنسانية إلى القطاع، والشروع في مسار إقامة دولة فلسطينية. لكن يصعب توقع ذلك، بالنظر إلى طبيعة رؤية ومدركات هذه الإدارة الأمريكية وتفضيلاتها السياسية؛ إذ يبدو “ترامب” أكثر ميلًا لنظام قائم على القوة والمعاملاتية وليس الشراكة أو الشرعية.

تم نسخ الرابط