قبل لقاء ترامب والشرع.. سوريا ترحب بتخفيف العقوبات الأمريكية

في تحول جزئي في سياسة واشنطن تجاه دمشق، أعلنت الولايات المتحدة عن تخفيف محدود للعقوبات المفروضة على سوريا، وهي خطوة قد تفتح الأفق أمام بعض التحولات الإيجابية، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الشعب السوري. القرار الأمريكي الأخير سمح بمرور المساعدات الإنسانية، وتيسير التحويلات المالية، بالإضافة إلى فتح المجال أمام بعض الأنشطة المدنية التي قد تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
تخفيف جزئي للعقوبات
بحسب بيان صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، شمل التخفيف الجديد السماح للمنظمات الإنسانية الدولية بالعمل بشكل أوسع في سوريا، مما يساهم في تلبية احتياجات الشعب السوري الذي يعاني من أزمات إنسانية جمة. كما أُتيح لبعض الأنشطة في مجالات الزراعة والأدوية والبنية التحتية المدنية أن تستمر، وهو ما يعد خطوة مهمة نحو إعادة تأهيل بعض القطاعات الحيوية التي تضررت بشكل كبير خلال سنوات الحرب الطويلة.
ورغم أن هذه التغييرات تعد إيجابية على المستوى الإنساني، إلا أن تساؤلات عديدة تطرح حول أثرها الفعلي على الاقتصاد السوري المتهالك. فهل يمكن لهذا التخفيف الجزئي أن يشكل بداية لتحسن تدريجي في الظروف المعيشية للمواطن السوري العادي؟ وهل سيؤثر على مواقف الدول الأخرى التي ترفض التعامل مع النظام السوري؟
فرص اقتصادية محدودة
من جانبه، رحب النظام السوري بهذا التخفيف الجزئي، إذ أكد أنه خطوة نحو تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد. إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية لتحفيز النمو الاقتصادي، خاصة في ظل العقوبات المستمرة على قطاعات أخرى مثل النفط والغاز والتجارة الدولية. كما أن الاقتصاد السوري يحتاج إلى استثمارات ضخمة من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد.

"قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"
رغم تخفيف العقوبات، إلا أن العقوبات المفروضة بموجب "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا" لا تزال قائمة بكامل قوتها. وهذا القانون، الذي يُعد من أشد أدوات الضغط الأمريكية على النظام السوري، يستهدف مسؤولين حكوميين وكيانات اقتصادية تتعامل مع النظام، خاصة في قطاعات النفط والغاز والجيش والأجهزة الأمنية.
وقد بلغ نظام العقوبات الأمريكي ذروته مع دخول قانون قيصر حيز التنفيذ عام 2019، واضعًا شروطًا صارمة لأي تخفيف محتمل، من بينها وقف الهجمات على المدنيين، وبدء عملية انتقال سياسي حقيقية، والإفراج عن المعتقلين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون تدخل أو عرقلة من قبل الحكومة السورية.
هذا التحول الجزئي أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية داخل سوريا وخارجها، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة تتجلى في انهيار العملة المحلية، وتراجع حاد في القطاعات الإنتاجية، لا سيما الصناعة والتجارة.
هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى انتعاش اقتصادي؟
من غير المرجح أن يشهد الاقتصاد السوري انتعاشًا كبيرًا في المدى القريب. فرغم أن هذا التخفيف قد يخفف بعض الأعباء على قطاعات معينة، خصوصًا ما يتعلق بالزراعة والخدمات، ويزيد من تدفق التحويلات المالية التي يعتمد عليها ملايين السوريين، إلا أنه لا يرقى إلى مستوى كافٍ لإحداث نقلة نوعية في المشهد الاقتصادي العام.
ومع ذلك، قد يشجع القرار بعض المشاريع الصغيرة في الأرياف والمناطق الأقل تأثراً بالمعارك.

ولا يزال الجواب معقدًا على بعض الأسئلة حول القرار، إذ إن غياب آليات توزيع شفافة ومستقلة عن سيطرة الحكومة المركزية يُثير مخاوف من أن الفوائد المحتملة قد تتركز في يد طبقة ضيقة من النخب المقربة من النظام. وهو سيناريو سبق أن تكرر في محطات سابقة، حيث استحوذت شبكات المصالح على القسم الأكبر من المساعدات والمنافع الاقتصادية المحدودة.
وبينما رحب الكثير من السوريين في الداخل والخارج بهذا التخفيف كخطوة نحو تخفيف المعاناة اليومية، تبقى النتيجة النهائية لهذا القرار رهناً بكيفية تنفيذه، والمراقبة الفعلية لنتائجه على الأرض، واستعداد الأطراف الدولية للضغط من أجل ضمان أن تصب الفوائد في مصلحة عامة الشعب، لا في تعميق الفساد القائم.