عاجل

في سن السادسة يتحدد مستقبل الوزن : دراسة تُحذر من السمنة

السمنة عند الأطفال
السمنة عند الأطفال

في تحذير علمي جديد يُضاف إلى التحذيرات المتزايدة حول تفشي السمنة عالميًا، سلّط باحثون هولنديون الضوء على مرحلة الطفولة المبكرة، وتحديدًا سن السادسة، باعتبارها مؤشرًا بالغ الأهمية لاحتمالات الإصابة بالسمنة لاحقًا في الحياة. الدراسة التي عُرضت مؤخرًا في المؤتمر الأوروبي للسمنة، المنعقد بمدينة مالقة الإسبانية، كشفت عن وجود علاقة وثيقة بين مؤشر كتلة الجسم (BMI) لدى الأطفال في عمر 6 سنوات، وبين معدلات السمنة في عمر 18 عامًا.

كل وحدة زيادة في BMI تضاعف خطر السمنة

وبحسب ما أوضحه فريق البحث من مركز الطب الجامعي في روتردام، فإن كل زيادة بمقدار وحدة واحدة في مؤشر كتلة الجسم عند سن السادسة ترتبط بتضاعف خطر الإصابة بالسمنة أو الوزن الزائد في مرحلة البلوغ. هذه النتيجة تعيد التأكيد على خطورة تجاهل زيادة الوزن الطفيفة في سن مبكرة، والتي قد تبدو للبعض غير مقلقة، لكنها في الواقع تُشكّل علامة تحذير مبكرة لمسار صحي قد يصبح معقدًا في المستقبل.

السنوات الخمس الأولى... فرصة ذهبية لحياة صحية

يرى الباحثون أن السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل تمثل "النافذة الذهبية" للتدخل المبكر، وتحديد المسار الصحي لنمو الطفل. ففي هذه المرحلة، يكون الجسم في حالة مرونة بيولوجية تسمح بتعديل السلوك الغذائي ومستويات النشاط البدني بصورة فعالة.

ومن المثير في نتائج الدراسة، أن الطفل الذي يتمكن من تحقيق وزن طبيعي قبل بلوغ السادسة من عمره – حتى لو كان قد عانى من زيادة الوزن في السنتين أو الثلاث الأولى – فإن احتمالات إصابته بالسمنة لاحقًا تنخفض بدرجة ملحوظة. هذا يعني أن هناك فرصة حقيقية لعكس مؤشرات الخطر إن تم التدخل في الوقت المناسب.

دراسة اعتمدت على بيانات طويلة الأمد

شملت الدراسة الهولندية تحليل بيانات صحية لـ3,528 طفلًا، حيث جرى قياس مؤشر كتلة أجسامهم في مراحل عمرية مختلفة: 2، 6، 10، 14، و18 عامًا. ووجد الباحثون أن عمر الست سنوات يمثّل نقطة تحوّل فارقة، إذ سجّل الأطفال في هذا العمر أعلى ارتباط بين مؤشرات كتلة الجسم وبين الإصابة بالسمنة لاحقًا.

وأكد الفريق البحثي أن هذه النتائج يجب أن تدفع الأسر والمؤسسات الصحية والتعليمية إلى إعطاء أهمية قصوى لتلك المرحلة، من خلال التوعية والتثقيف الغذائي، وتنظيم الأنشطة البدنية في المنازل والمدارس، والمتابعة الصحية الدقيقة لنمو الأطفال.

الأغذية المُصنّعة... العدو الصامت

وفي سياق متصل، أظهرت دراسة بريطانية صادرة عن جامعة بريستول أن نسبة المراهقين الذين يعانون من الوزن الزائد قد ارتفعت بنحو 50% خلال الـ15 عامًا الماضية. وعزت الدراسة هذه الزيادة الخطيرة إلى الاعتماد المفرط على الأطعمة المُصنّعة فائقة المعالجة، مثل الوجبات السريعة، الحلويات المعلبة، والمشروبات الغازية، إلى جانب قلة الحركة وتزايد الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات.

وحذر الباحثون من أن هذه الأطعمة لا تساهم فقط في زيادة الوزن، بل ترتبط أيضًا بمضاعفات صحية خطيرة، تشمل ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب، والسكري من النوع الثاني، وبعض أنواع السرطان. ودعوا إلى ضرورة إعادة النظر في النمط الغذائي الذي تتبعه العائلات، وتعزيز نمط حياة نشط داخل المنازل والمدارس، عبر توفير بدائل غذائية صحية، وتحفيز الأطفال على الحركة اليومية.

توصيات للوقاية: دور الأهل والمجتمع والمدرسة

تشدد نتائج الدراستين على أن معالجة السمنة لا تبدأ في سن البلوغ أو المراهقة، بل تبدأ في المراحل الأولى من حياة الطفل. وعلى الأسر أن تدرك أن التراخي في هذه المرحلة قد يؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة تؤثر على جودة حياة أبنائهم مستقبلًا.

كما تتحمل المؤسسات التعليمية والقطاع الصحي مسؤولية توسيع نطاق التوعية، ووضع برامج تغذية صحية إلزامية في المدارس، وتشجيع النشاط الرياضي، والتقليل من تقديم الأغذية عالية السكريات والدهون في المقاصف المدرسية.
يُظهر هذا البحث العلمي بوضوح أن وزن الطفل في عمر السادسة ليس مجرد رقم عابر، بل مؤشر طبي واجتماعي يتطلب الانتباه والتعامل بجدية. فكل كيلوغرام يُكتسب أو يُفقد في هذه المرحلة، قد يكون له أثر طويل الأمد على صحة الطفل ومستقبله. إن بناء جيل سليم يبدأ بخطوات صغيرة، لكنها محسوبة، تبدأ من طبق الطعام في البيت، وتنتهي بخيارات الطفل في المدرسة والمجتمع.

تم نسخ الرابط