عاجل

فى أعماق وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر ، يرقد الملك الشاب "توت عنخ آمون" وهو الذي على الرغم من حياته التي لم تدم طويلًا ، إلا أنه قد أصبح رمزًا خالدًا لحضارة تجاوزت حدود الزمان والمكان. فلم يكن فى حياته ملكًا عظيمًا بالمعنى السياسي ، لكنه فى موته صار أعظم أيقونة فى تاريخ علم المصريات ، فمقبرته التي اكتشفت عام 1922 لم تكن مجرد مدفن ملكي ، بل كانت نافذة تاريخية فتحت أعين العالم على عظمة الفن المصري القديم وعمق معتقداته.

وُلد "توت عنخ آمون" فى عصر الأسرة الثامنة عشرة ، فى زمن مضطرب سياسيًا ودينيًا ، حيث شهدت مصر ثورة دينية كبرى بقيادة "اخناتون" الذي فرض عبادة الإله الواحد "آتون" وألغى تعددية الآلهة التقليدية. وقد تولى الحكم وهو طفل فى التاسعة من عمره ، وتُوج ملكًا على عرش مصر العليا والسفلى ، فقام بتغيير اسمه الملك من "توت عنخ آتون" إلى "توت عنخ آمون" فى إشارة للعودة إلى عبادة المعبود "آمون" ، والإقرار بسيادة "طيبة" كعاصمة دينية ، كما اعاد فتح المعابد التي أغلقها "اخناتون" وعلى رأسها معابد "آمون" فى الكرنك.

ورغم قصر مدة حكمه إلا أن "توت عنخ آمون" ارتبط فى أذهان المصريين بالعودة إلى الاستقرار بعد فترة الانقسام. وقد تزوج من "عنخ إس إن آمون" ولكن لم يعثر على أي وريث له ، إذ تُوفى عن عمر يناهز 18 عامًا لأسباب لا تزال محل جدل بين الباحثين.

وبالرغم من أن مقبرة "توت عنخ آمون" تُعد صغيرة نسبيًا مقارنةً بمقابر ملوك الأسرة الثامنة عشرة ، إلا أنها تحمل فى طياتها قيمة أثرية وفنية استثنائية. فقد عُثر داخلها على 5398 قطعة أثرية تعد من أعظم ما انتجته الحضارة المصرية القديمة ، ويأتي على رأس هذه القطع القناع الذهبي للملك والذي يُعد أيقونة عالمية للحضارة المصرية ، ويزن نحو 11 كجم من الذهب الخالص ، وهو مرصع باحجار من اللازورد والعقيق والفيروز والزجاج الملون. بجانب ثلاثة توابيت متداخلة ، كان التابوت الداخلي منها مصنوعًا بالكامل من الذهب. وست عجلات حربية مُذهبة تعكس القوة العسكرية ، وإلى جانبها وُجدت أقواس وسهام وخناجر وعدد من الاسرة الملكية والكراسي ، وأغلبها مكسو بالذهب ومطعم بالعاج والصدف. وأكثر من 130 من القلادات والأساور والأقراط والخواتم ، ومن المقرر عرض مجموعة الملك "توت" كاملة بالمتحف المصري الكبير ، لتكون السابقة الأولى التي تكون المجموعة بالكامل معروضة فى مكان واحد منذ اكتشاف المقبرة.

كان اكتشاف مقبرة "توت عنخ آمون" ثورة ثقافية وإنسانية غيرت من مسار علم المصريات ، وساهمت فى جذب اهتمام العالم للحضارة المصرية القديمة وعززت من الهوية الثقافية المصرية. وبينما ما زالت أسرار موت "توت عنخ آمون" محل جدل ما بين احتمالية إصابته بمرض الملاريا، أو سقوط عنيف، أو حتى مؤامرة، فإن الحقيقة الثابتة أن موته وهب الحياة لحقبة زمنية هامة فى التاريخ بأكمله.

تم نسخ الرابط