عاجل

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد رفاهية أو شيء إضافي يمكن أن تعتمد عليه الدول وقت الحاجة كما يمكنها الاستغناء عنه إن أرادت، تلك قاعدة كانت تصلح فيما مضى، أما الآن والجميع يتسارع والكل يبحث عن موطء قدم له، فإن تجاهل الأمر وعدم التخطيط له نوع من الاستقالة من المستقبل، وكما قال محمد حسنين هيكل "لا توجد أمة تستقيل من مستقبلها".

وكما بحثت كل دولة عن مستقبلها خلال القرن الماضي سواء من خلال الاقتصاد أو التسليح، فالوقت الحالي يشهد أيضًا نفس التجربة لكن تلك المرة في مجال الذكاء الاصطناعي، لذلك لم يكن غريبًا أن تبادر مصر بإعلان الإصدار الثاني من استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي (2025-2030) لتحجز لنفسها مكان في المستقبل، ولتعطي إشارة للجميع أنها تدرك أهمية هذه التكنولوجيا في دعم خطط التنمية الشاملة وبناء اقتصاد قائم على المعرفة وتحسين جودة حياة المواطن المصري. 

في السطور التالية نوضح الفوائد الاقتصادية التي تجنيها مصر من تطبيق تلك الإستراتيجية وما هي أثرها التقني لوضع مصر في السباق العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، لكن قبل ذلك نوضح أن أول استراتيجية وطنية في هذا المجال أطلقتها مصر في عام 2019 وركزّت آنذاك على محورين رئيسيين أولهما بناء القدرات البشرية وثانيهما دعم البحث العلمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، وقد أثمرت هذه المرحلة عن إدماج الذكاء الاصطناعي في عدد من الوزارات منها الزراعة والتعليم والصحة والتخطيط، بالإضافة إلى وضع إطار تشريعي مبدئي لتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي.

أما ملامح الإصدار الثاني من إستراتيجية (2025-2030) فيمكن القول إنها ركزت على 6 محاور رئيسية أولها الحوكمة، إذ يستهدف الإصدار وضع إطار قانوني وأخلاقي واضح لاستخدام الذكاء الاصطناعي بما يضمن الشفافية والمسائلة، أما المحور الثاني فهي التكنولوجيا من خلال دعم تطوير الحلول المحلية القائمة على الذكاء الاصطناعي وتشجيع البحث والتطوير.

ثالث المحاور الرئيسية في الإصدار الثاني هي البيانات وتستهدف الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي إنشاء منظومات متكاملة لإدارة البيانات الحكومية والعامة بطريقة آمنة وفعّالة، كما تستهدف تطوير البنية التحتية من خلال توسيع قدرات الحوسبة السحابية وتوفير شبكات اتصال قوية مثل 4G و 5g.

أما المحور الخامس فهو النظام البيئي والمتوقع أن يشهد دعم الشركات الناشئة والمبتكرين فيه بجانب توفير حوافز للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، وأخيرًا المهارات والمفترض في هذا المحور تدريب مليون شاب مصري على مهارات الذكاء الاصطناعي المطلوب خلال 5 سنوات.

إضافة إلى محاور الإصدار الثاني من استراتيجية (2025-2030) فإن هناك تركيز قوي على البعد التقني والتطورات المستقبلية من الناحية التقنية، وذلك من خلال تحويل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي "HPC" مصر إلى مركز إقليمي في مجال الحوسبة عالية الأداء باللغة العربية، كما تسعى الدولة إلى تطوير بنية تحتية رقمية تدعم المدن الذكية والتحول الرقمي في المؤسسات الحكومية، ما يعني زيادة كفاءة الخدمات العامة وتقليل الفساد وزيادة نسبة رضاء المواطنين على عمل أجهزة الدولة.

ركزّت الاستراتيجية أيضًا على القطاعات الحيوية، ففي قطاع التعليم استهدفت إدخال أدوات تعليمية قائمة على الذكاء الاصطناعي مثل المدرس الافتراضي وتحليل أداء الطلاب بشكل آلي لتقديم محتوى متخصص، وفي قطاع مثل الصحة تم التركيز على تطوير أنظمة تشخيص ذكية باستخدام الأشعة وتحليل السجلات الطبية وتوقع انتشار الأمراض، كذلك الأمر في الزراعة من خلال استخدام تقنيات الرؤية الحاسوبية والطائرات بدون طيار لمراقبة المحاصيل.

البعد والأثر الاقتصادي كان حاضرًا في الإصدار الثاني من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي (2025-2030) وتشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يضيف ما بين 30 إلى 42.7 مليار دولار للناتج المحلي الإجمالي لمصر بحلول عام 2030، أي ما يمثل نحو 7.7% من الناتج، كما يتوقع أن يسهم في زيادة الإنتاجية بنسبة تتجاوز 25% في قطاعات مثل الزراعةوالصناعة والخدمات المالية، وخلق ما لا يقل عن 300 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في سوق العمل المحلي. 

وبعيدًا عن مدى قدرتنا على تنفيذ تلك المخططات إذ لا يوجد دولة في العالم تبلغ نسبة تنفيذها لأهدافها 100%، فإن الأهم هو أننا على الطريق الصحيح ولدينا تصورات واضحة وأننا لا نعمل من أجل اليوم فقط بل من أجل الغد وبعد الغد.

تم نسخ الرابط