صلاة العصر كم ركعة؟ .. فضلها ولماذا يحبط عمل من تركها؟

صلاة العصر كم ركعة؟ تساؤل يبحث الكثير من الصغار خاصة أن صلاة العصر من الأوقات الشريفة التي حظيت بقسم وترغيب في القرآن الكريم شأن صلاة الفجر، وقد يتبادر إلى الأذهان حكم الصلاة بعد صلاة العصر، فقد يتعذر البعض عن أداء الصلوات الفائتة من فجر وظهر، وحان وقت العصر فهل يصلي؟، وما حكم تحية المسجد بعد صلاة العصر؟
صلاة العصر كم ركعة؟
وللأجابة على تساؤل صلاة العصر كم ركعة وما فضلها؟ يتوجب التعريف أولا بصلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى بين مواقيت الصلاة الخمس، وهي صلاة سرية من أربع ركعات شأن الظهر، وتؤدى بين صلاتي الظهر والمغرب.

تحية المسجد بعد صلاة العصر
وفيما يتعلق بتحية المسجد، فهما ركعتان يصليهما من يدخل مسجدًا غير المسجد الحرام متوضئًا يريد الجلوس به لا المرور فيه، وذلك قبل الجلوس، وهي سنة.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ»، وروى مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: جاء سليك الغطفاني رضي الله عنه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، فقال: «يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا».
صلاة السنة بعد صلاة العصر
وصلاة النافلة منهي عنها نهي كراهة بعد صلاة العصر؛ لحديث الشيخين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ»، واستثنى الشافعية النافلة التي تصلى لسبب عارض، كالكسوف والاستسقاء ودخول المسجد؛ لأن النافلة إما أن تفعل لسبب عارض أو مؤقتة بوقت معين؛ قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 337، ط. المكتب الإسلامي): [النَّافلة قسمان: أحدهما: غير مؤقتة، وإنما تفعل لسبب عارض، كصلاة الكسوفين، والاستسقاء، وتحيَّة المسجد... والثاني: مؤقتة، كالعيد، والضحى] اهـ.

وقال العلامة الخطيب الشربيني: الأوقات التي يكره الصلاة فيها إلا صلاة لها سبب غير متأخر، أي أن سببها بعد الصلاة وليس قبلها كالإحرام، فإنه يحدث بعد الصلاة، فإنها تصح كفائتة وصلاة كسوف واستسقاء وطواف، وتحية وسنة وضوء وسجدة تلاوة وشكر وصلاة جنازة. ثم عدَّ من هذه الأوقات فقال: وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس بكمالها؛ للنهي عنه في "الصحيحين". انظر: "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" (2/ 116، ط. دار الفكر).
وبناءً عليه: فإن صلاة تحية المسجد بعد صلاة العصر جائزة؛ لأنها من النوافل ذات السبب.
معنى حديث: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله»
سائل يسأل عن معنى حديث: «مَنْ تَرَكَ صَلاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» وهل المقصود من ذلك إحباط أجر جميع الصلوات وسائر أعمال البر أو أجر صلاة العصر فقط؟
نص العلماء على أنَّ حصول ما قد يبطل الطاعات بالمعاصي إنما يكون بحصول ما يفسدها في عينها من دخول أمرٍ مذمومٍ عليها؛ كالرياء وابتغاء السمعة، أو عدم الإخلاص فيها أو الفساد في النية، لا بحصول المعصية في طاعة أخرى مستقلة عنها، أو في جنسٍ آخر من الطاعات.
قال الإمام الآمِدِيُّ في "أبكار الأفكار" (4/ 385-386، ط. دار الكتب والوثائق القومية-القاهرة) في الردِّ على شبهة القائلين بكون المعصية محبطةً للأعمال مطلقًا: [إن التقابل بين الطاعة والمعصية: إنما يتصور في فعلٍ واحدٍ بالنسبة إلى جهةٍ واحدةٍ، بأن يكون مطيعًا بعينِ ما هو عاصٍ مِن جهة واحدة، وأما أن يكون مطيعًا في شيء، وعاصيًا بغيره، فلا امتناع فيه، كيف وأن هؤلاء وإن أوجبوا إحباط ثواب الطاعات بالكبيرة الواحدة، فإنهم لا يمنعون من الحكم على ما صدر من صاحب الكبيرة من أنواع العبادات... كالصلاة، والصوم، والحج، وغيره بالصحة، ووقوعها موقع الامتثال، والخروج عن عهدة أمر الشارع؛ مع حصول معصية في غيرها، بخلاف ما يقارن الشرك منها، وإجماع الأمة دلَّ على ذلك، وعلى هذا: فلا يمتنع اجتماع الطاعة والمعصية، وأن يكون مثابًا على هذه ومعاقبًا على هذه... فإنَّ التعظيم والإهانة إنما يمتنع اجتماعهما من شخصٍ واحدٍ لواحدٍ، إن اتحدت جهةُ التعظيم والإهانة، وإلا فبتقدير أن يكون مُعَظَّمًا من جهة، مهانًا مِن جهةٍ، مُعَظَّمًا مِن جهةِ طاعته، مهانًا مِن جهةِ معصيته؛ فلا مانع فيه].
وقد تجلَّى ذلك الفهم واتضح لدى العلماء من خلال شرحهم لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوارد في الحثِّ على أن تُصلَّى صلاةُ العصر في وقتها والتحذير من أن تركها يحبط عملها، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".
والمراد من الحديث كما فهمه علماء الأمة: هو أنه قد خسر أجر هذه الصلاة بخصوصها والذي يحصل عليه مَن يصليها في وقتها، لا أجر غيرها من الصلوات ولا غيرها من الأعمال.

وقال الإمام النَّوَوِيُّ في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 126، ط. دار إحياء التراث العربي): [الشرع ورد في العصر ولم تتحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها بالشك والتوهم] اهـ.
وقال الـمُلَّا عَلِيُّ الْقَارِيُّ في "مرقاة المفاتيح" (2/ 529، ط. دار الفكر): [قد حبط (عمله) أي: بطل كمال عمل يومه ذلك إذ لم يثب ثوابًا موفرًا بترك الصلاة الوسطى، فتعبيره بالحبوط وهو البطلان للتهديد قاله ابن الملك. يعني: ليس ذلك من إبطال ما سبق من عمله... بل يحمل الحبوط على نقصان عمله في يومه، لا سيما في الوقت الذي تقرر أن يرفع أعمال العباد إلى الله تعالى فيه] اهـ.