الغسالات قد تتحول إلى خزانات ميكروبية.. دراسة تكشف مخاطر صحية خفية

كشفت دراسة علمية جديدة عن مصدر للعدوى داخل المستشفيات، حيث أشارت إلى أن غسل ملابس العمل الطبية في المنازل قد يسهم في انتشار الميكروبات، ومنها بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية.
ونُشرت الدراسة في الدورية العلمية "PLOS ONE"، محذرة مما وصفه الباحثون بـ"الثغرة الصامتة" في جهود مكافحة العدوى بالمؤسسات الصحية.
وأكدت النتائج أن الطواقم الطبية التي تعتمد على الغسالات المنزلية قد تنقل مسببات الأمراض من وإلى بيئة العمل، مما يزيد احتمالية تفشي عدوى يصعب علاجها بين المرضى والعاملين في القطاع الصحي.
ووفقًا للدراسة، فإن الطواقم الطبية التي تغسل زيها المهني في الغسالات المنزلية قد تسهم بشكل غير مباشر في نقل الميكروبات، ومن بينها بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، من وإلى بيئة العمل، مما قد يؤدي إلى تفشي عدوى يصعب علاجها داخل المؤسسات الصحية.

منهجية الدراسة: محاكاة واقعية لغسل الملابس الطبية
اعتمد الباحثون في تجربتهم على استخدام ست غسالات منزلية شائعة في الأسواق، بهدف تقييم مدى قدرتها على تطهير الأقمشة الملوثة ببكتيريا مختبرية تحاكي تلك التي قد تلتصق بزي العاملين في المستشفيات.
تم غسل هذه الأقمشة باستخدام دورتين شائعتين: دورة سريعة وأخرى عادية، مع الاعتماد على الماء الساخن، لمحاكاة ظروف الغسيل المنزلي الواقعية.
النتائج كانت صادمة: نصف الغسالات فشلت في القضاء على البكتيريا خلال الدورة السريعة، فيما لم تستطع ثلث الغسالات تعقيم الملابس بشكل كافٍ حتى مع استخدام الدورة العادية. الأسوأ من ذلك، أن الغسالات نفسها أصبحت جزءًا من المشكلة؛ إذ كشفت التحاليل البيولوجية لعينات أُخذت من داخل الغسالات – تحديدًا من الأغشية الحيوية المتراكمة في أجزائها الداخلية – عن وجود بكتيريا، ما يشير إلى أن الغسالات المنزلية قد تتحول إلى "خزانات ميكروبية" تعيد تلويث الملابس المغسولة لاحقًا.
تهديد مزدوج: خطر على المرضى والعاملين معًا
ما تكشفه هذه النتائج لا يرتبط فقط بسلامة العاملين أنفسهم، بل يمتد إلى المرضى الأكثر عرضة للخطر داخل أقسام الرعاية المركزة والطوارئ. فإذا ما عاد الطبيب أو الممرّض بزيّ لم يُعقم بالكامل، فإن خطر نقل العدوى إلى المرضى – خصوصًا من ذوي المناعة الضعيفة – يصبح احتمالًا واردًا، بل وخطيرًا.
وفي هذا السياق، يربط الباحثون بين تكرار حالات العدوى المكتسبة داخل المستشفيات، والمعروفة باسم Healthcare-Associated Infections (HAIs)، وبين ممارسات تبدو في ظاهرها غير ضارة، لكنها في الحقيقة تفتقر إلى الضوابط الطبية اللازمة، مثل غسل الملابس المهنية خارج بيئة العمل.

دعوة لإعادة النظر في السياسات المؤسسية
تُعد هذه الدراسة بمثابة دعوة مفتوحة لمراجعة سياسات التعقيم المتبعة في المستشفيات والمؤسسات الطبية، والتي غالبًا ما تركز على أدوات الجراحة والمعدات الطبية، بينما تُهمل عناصر حيوية مثل الزي الرسمي للعاملين.
فالعديد من المستشفيات، خاصة في الدول النامية، لا توفر خدمات غسيل وتعقيم مركزية للطواقم، ما يدفع الأطباء والممرضين إلى الاعتماد على غسالاتهم المنزلية، ظنًا منهم أن الماء الساخن والمنظفات العادية كافية.
ويؤكد الباحثون أن التوصيات يجب أن تتجه نحو توفير خدمات تعقيم مهنية تحت إشراف المستشفيات، أو حتى فرض سياسات تمنع غسل الزي الطبي خارج بيئة العمل، لحماية المرضى والعاملين على حد سواء.
العدوى المقاومة للمضادات الحيوية: خطر متصاعد عالميًا
تأتي هذه النتائج في وقت تتزايد فيه المخاوف من تصاعد موجة العدوى المقاومة للمضادات الحيوية، والتي تُعدها منظمة الصحة العالمية من أخطر التحديات الصحية التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين.
إذ تشير التقديرات إلى أن هذه العدوى تُسهم في وفاة أكثر من 1.27 مليون شخص سنويًا حول العالم، وسط تحذيرات من أن الرقم قد يرتفع إلى 10 ملايين وفاة سنويًا بحلول عام 2050 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة.
التفاصيل الصغيرة تصنع الفارق
ما تطرحه هذه الدراسة يسلط الضوء على أن محاربة العدوى لا تتطلب فقط أجهزة متطورة أو بروتوكولات معقدة، بل تبدأ من تفاصيل صغيرة تُعتبر في العادة من المسلَّمات – مثل طريقة غسل ملابس العاملين في المستشفى.
فالتهديدات الصحية لا تأتي دائمًا من الأوبئة الظاهرة، بل أحيانًا من روتين يومي بسيط يبدو آمنًا لكنه يحمل في طياته خطرًا قاتلًا.