حديث «كل أمتي معافى إلا المجاهرين».. معناه ومكانة الحياء في الإسلام

يكثر البحث عن معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين»، وفي السطور التالية نبرز معناه.
حديث كل أمتي معافى إلا المجاهرين
يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء في بيانه حديث كل أمتي معافى إلا المجاهرين: حثّ الدين على الحياء باعتباره خلقًا محمودًا على مستوى الفرد والمجتمع، حتى شاع الذم بعبارة (قليل الحيا) في الاستعمال اليومي، -مع حذف همزة الحياء؛ لأن العرب تقصر كل ممدود، ولا تمد بالضرورة كل مقصور-. وفي الحديث النبوي الشريف، عندما عاتب أحدهم أخاه على كثرة حيائه، قال له النبي ﷺ: (الحياء خير كله) [مسلم] وقال ﷺ: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) [البخاري].
وبين أن الحياء كان ولا يزال ينشئ ثقافة تمنع من الانحراف، وتضبط إيقاع الحياة على المستوى الشخصي والجماعي. وأن انعدام الحياء يوصلنا إلى فقد المعيار الذي به التقويم، والذي به القبول والرد، والذي به التحسين والتقبيح. وفقد المعيار هذا يؤدي إلى ما يشبه الفوضى، وهي الحالة التي إذا استمرت لا يصل الإنسان إلى غايته، ويضيع الاجتماع البشري، وتسقط الحضارات في نهاية المطاف؛ حيث لا ضابط ولا رابط.
وشدد على أن الحياء خلق يمنع صاحبه المتخلق به من الفحش في القول والعمل، ولذلك فإنه ضد بعض معاني الشفافية التي يدعو إليها بعضهم في عصرنا هذا. والشفافية قد تعني الصراحة في القول والصدق في العمل، وهو خلق محمود بلا شك، وقد تعنى التبجح بالفاحشة وإظهار المعاصي والفجور بدعوى الحرية، التي تساوي حينئذ التفلت والعبث.
حديث كل أمتي معافى إلا المجاهرين
وأضاف علي جمعة: «لقد نهينا عن هذا التبجح؛ قال رسول الله ﷺ: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) [متفق عليه]».
وشدد على أن المجاهر يتبجح بالمعصية، لأنه يريد أن تشيع فعلته في الناس حتى يكونوا مثله، ويكونوا في الفاحشة سواء؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). ولقد ابتلينا بهذا الصنف من الناس الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأن المخرج من قلة الحياء هو التربية المستدامة، والإصرار عليها، وإحياء القيم التي تمنع التفلت والانحراف.