عاجل

شارة الأولياء.. كيف تحول اللون الأخضر إلى موضة روحية زائفة؟ |خاص

الباحث في الشأن الصوفي
الباحث في الشأن الصوفي مصطفى زايد

في كل زاوية من زوايا السوشيال ميديا، وفي كل مولد أو زاوية، بات اللون الأخضر يتصدر المشهد كأنه تصريح مرور إلى عالم الأولياء والعارفين. لا جلابية تخلو منه، ولا سبحة تسلم، حتى خلفيات الحسابات الشخصية صارت تعلن انتماءها بلون من المفترض أنه رمز، لا زي رسمي.

كيف تحول اللون الأخضر إلى موضة روحية زائفة؟

يقول الباحث في الشأن الصوفي مصطفى زايد لـ "نيوز رووم": لكن وسط هذا الفيضان من الإخضرار، يطرح سؤال نفسه بقوة: هل ما نشهده اليوم هو امتداد حقيقي لتراث صوفي عريق؟ أم أن اللون الأخضر أصبح قناعًا يتخفى خلفه طلاب الشهرة والهيبة الروحية؟، مشيرًا إلى أن اللون الأخضر لم يأت من فراغ، فقد حمل عبر العصور دلالات روحانية واضحة، سواء في النصوص الدينية أو في التقاليد الصوفية.

وبين أن الجنة في المخيال الإسلامي اخضرت، كما في قوله تعالى "عاليهم ثياب سندس خضر"، ومن هنا ارتبط اللون بالخلاص والطهارة والنور.

وفي الطرق الصوفية، استخدم الأخضر كلون مميز في اللباس والرايات، خاصة في الطريقة البرهامية، وكذلك في بعض الطرق الصوفية الأخرى. لكنه كان دائمًا رمزًا لا شرطًا، إشارة لا بديل عن السلوك والصفاء والتجرد.

موضة تصوفية وأداء بصري

وقال زايد: «اليوم، يبدو أن الأخضر خرج من إطاره الرمزي إلى مساحة من المبالغة والاداء. البعض يتعامل معه كأنه بطاقة عضوية في نادي الأولياء، يكفي أن ترتديه لتُحسب على "العارفين"، حتى لو لم تذق طعم المجاهدة يوما.
انتقل اللون من حضوره الهادئ في الزوايا الى انفجار بصري في انستغرام وتيك توك. لا جلسة ذكر تُبث دون اخضرار، ولا مؤثر صوفي يظهر دون لفحة خضراء، حتى بات الاخضر عند بعضهم اهم من الذكر، واكثر وضوحا من التواضع.

التصوف لا لون له

وتابع: «المدهش أن أغلب مشايخ الطرق القديمة لم يكونوا يرتدون لونًا محددًا. كان الجنيد وابن عطاء الله وأحمد الرفاعي يلبسون ما تيسر، ويتهيبون من كل ما قد يُظن منه ادعاء أو تصدر».

قال أحد العارفين: "التصوف أن لا تُرى، لا ان تُشير الى نفسك بلون او شكل". والتاريخ مملوء بأولياء لا يُعرف لهم لون، ولا تتبعهم اضواء، ومع ذلك كانت الامة ترتجف حين يسمع اسمهم.

بين العمق والسطح

وشدد على أن اللون الأخضر جميل، لا شك. وهو يحمل رمزية ناصعة عند من يفهم معناها. لكنه حين يتحول إلى موضة اجتماعية أو هوية تسويقية، يفقد بريقه ويصبح مثل أي علامة تجارية تُستهلك حتى تبهت. ليس المهم ما تلبس، بل ما تعمل. ليس السؤال هل ثوبك أخضر، بل هل قلبك حي. فثمة من يلبسون الخضرة وهم غارقون في الغفلة، وآخرون بثياب باهتة لكنهم يسيرون بنور.

واختتم بأن الطريقة البرهامية وغيرها من الطرق العريقة لم تكن يوما حركات مظهرية. الأخضر عندهم رمز للنور الداخلي، لا واجهة اعلانية. والانسان الصادق لا يختبئ وراء لون، بل يكشف نفسه بالصدق، بالتواضع، وبالعمل. فلنكف عن تحويل الرموز الى اقنعة، ولنعُد الى ما قاله الكبار: "الله لا ينظر إلى صوركم، بل ينظر إلى قلوبكم واعمالكم".

تم نسخ الرابط