مخاطر مواجهة الهند وباكستان.. ملابسات متشابكة ودروس مستفادة

فى خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ظهيرة يوم السبت العاشر من مايو 2025، موافقة الهند وباكستان على وقف إطلاق النار كاملاً وفوراً، فيما بينهما، بعد ليلة طويلة من المحادثات بوساطة أمريكية. ويأتى الإعلان بعد خمسة أيام من بدء هجوم هندى على كشمير أزاد، وأربعة أيام من القصف المتبادل بين البلدين، وبعد أقل من عشر ساعات من آخر هجوم هندي بالصواريخ استهدف ثلاث قواعد عسكرية باكستانية؛ نور خان الجوية في روالبندى حيث مقر الجيش على بُعد نحو 10 كيلومترات من العاصمة إسلام آباد، ومريد، وشوركوت، وهو الهجوم الذى ردت عليه باكستان بهجوم مضاد وموسع أطلق عليه "البنيان المرصوص"، استهدف مواقع استراتيجية داخل الهند، نتج عنه وفقاً للبيانات الباكستانية تدمير منظومة اس 400 المضادة للصواريخ في "ادامبور"، وتدمير مخزن صواريخ "براهموس" بعيدة المدى في ولاية البنجاب، وقواعد جوية في"اود هامبور" و"باثانكوت"، وتدمير مطار "بيرنالا" وثلاثة حواجز عسكرية ومقر لواء هندى في جامو كشمير، وكلها أهداف عسكرية مهمة، وتعكس توافر خريطة كاملة بالمواقع العسكرية الهندية لدى الجيش الباكستاني.
وفقاً للتطورات على النحو السابق، جاء التدخل الأمريكي لحث الطرفين على وقف إطلاق النار، عبر محادثات هاتفية بين وزير الخارجية الأمريكي مع مسئولين هنود ورئيس أركان الجيش الباكستاني عاصم منير، ركزت على ضرورة وقف إطلاق النار، والاتصال المباشر بين مسئولى البلدين لاحتواء الموقف. وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن تدخل البيت الأبيض جاء بعد تقرير للاستخبارات الأمريكية تضمن تحذيراً شديداً من تطور المواجهة بين البلدين النوويين، وأن تأثير الرد العسكري الباكستاني على الهند الغير متوقع سابقاً، يؤثر سلباً على خطط البيت الأبيض في محاصرة الصين عبر الهند. ومع ذلك، لا يعنى أن التدخل الأمريكى الهاتفى وحده هو الذى أقنع البلدين لوقف إطلاق النار، إذ سبق ذلك اتصالات من دول عديدة؛ منها روسيا وإيران والصين ومصر والسعودية وتركيا ودول أخرى قاربت 30 بلداً، وفقاً لوزير الخارجية الباكستانى محمد إسحاق دار، وجميعها لعبت دوراً نشطاً فى تسهيل الاتفاق.
ملابسات متشابكة ودروس مفيدة
الجدير بالملاحظة فى هذه الملابسات المتشابكة أن كثيراً من الدول، والتى تحتفظ بعلاقات متوازنة مع كل من نيودلهي وإسلام أباد، سعت إلى احتواء الموقف العسكرى قبل أن يتحول إلى مواجهة غير تقليدية، ذات نتائج لا يمكن التكهن بها، ولكنها حتماً ستتضمن تداعيات سلبية وخطيرة على الأمن فى آسيا وعلى الاقتصاد العالمى، وهو ما أشعل حماسة دولية فى الاتصالات وضغطاً سياسياً ومعنوياً لوقف إطلاق النار، لاسيما وأن تبادل الطرفين المتصارعين الهجمات الموسعة، كل فى داخل أراضى الطرف الآخر، كان مصحوباً بحشود عسكرية على الحدود المشتركة، ما يفتح الباب أمام احتمال مواجهة عسكرية برية أكثر شراسة، تعيد رسم خريطة للفوضى فى غرب آسيا، والتورط فى مواجهة نووية، يصعب احتواء نتائجها إن حدثت على كافة الأصعدة.
ووفقًا لدراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن المهم فى هذا الأمر أن مثل هذه العمليات العسكرية بين جيوش نظامية عابرة للحدود، لا يمكنها ضمان إنهاء ما تعتبره الهند "عمليات إرهابية" من قِبل مواطنين ينتمون إلى جامو كشمير الواقعة تحت سيطرتها الكاملة، يرفضون ويقاومون السلطات الهندية باعتبارها قوة احتلال، ويجب النضال ضدها بالأساليب البسيطة المتاحة لديهم بما في ذلك العنف الذى يعتبرونه مشروعاً. والثابت أن مثل هذه العمليات العسكرية لا تعالج جذور المشكلة، وتسهم فى رفع مستوى التوتر داخل الهند وما حولها، ولا تحقق أياً من أهدافها، اللهم المزيد من المعاناة والتوتر والفوضى.
تمتد الملاحظات الى أمرين آخرين؛ أولهما أن باكستان التى رفضت الادعاءات الهندية حول مسئوليتها فى الهجوم على مدينة بهلغام في جامو وكشمير 22 أبريل الماضى، طرحت منذ اللحظة الأولى أن تقوم جهة دولية محايدة بإجراء تحقيق لكشف ملابسات الهجوم المذكور، وهو ما تجاهلته الهند، نظراً لأن أي تحقيق دولى شفاف بمشاركة أممية، سوف يعيد تذكير العالم بقضية كشمير والظروف التى أدت إلى انقسامها، وتجاهل إرادة شعبها فى تقرير مصيره، كما سيعرج على قرار الهند بضم جامو وكشمير التى خضعت لسيطرتها منذ العام 1948، وكانت تتمتع بحكم ذاتى موسع، ولكنه انتهى أمره بعد ضم الهند الإقليم لسيادتها في أغسطس 2019، وما تلاه من سياسة حكومية بجلب المزيد من الهنود من أقاليم أخرى للعيش فى جامو وكشمير بغرض تغيير هويتها السكانية، فضلاً عن المزيد من إجراءات التضييق على حياة الكشميريين الأصلاء المسلمين، وهى أسباب أججت رغبة الكشميريين فى مقاومة هذه الإجراءات غير القانونية والفاقدة لأى أساس شرعى، وهو ما لا تريد الهند أن يكون مجالاً لحوار دولي، أو تحقيق شفاف يكشف أسباب مقاومة الكشميريين للسياسات الهندية. ومن ثم رفضت الدعوة الباكستانية، وفضلت القيام بعمليات عسكرية، تحت مسمى "سيندور"، بدأتها في السابع من مايو ضد أهداف مدنية في كشمير أزاد، من بينها مسجد ومقر لجماعة دينية وأسفرت عن مقتل 23 مدنياً، وهى العملية التي وصفها رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى بأنها خطوة انتقامية أولى تستهدف اقتلاع البنية التحتية لما أسماه "الإرهاب".
الامر الثانى، حيث بدت الهند واثقة من أن باكستان لن تستطيع الرد على هذه العملية الهجومية، ومن ثم جاء الرد الباكستاني الذى تضمن إسقاط خمس طائرات حربية هندية وعدد من الطائرات المسيرة إسرائيلية الصنع، ليعيد ترتيب الحسابات العسكرية والسياسية معاً، ويرسل تذكيراً لكل العالم بأن الوضع بين إسلام اباد ونيودلهى قد يتطور إلى ما لا يمكن السيطرة عليه، لاسيما وأن السلطات الباكستانية أعلنت منذ اللحظة الأولى أنها تتوقع هجوماً هندياً، وأنها تستعد لأسوأ المشاهد، وتُعد قواتها والرأى العام لديها لأوضاع صعبة مُحتملة، ولكنها ضرورية ولا مفر منها من أجل بقاء باكستان دولة مستقلة ذات سيادة يأمن شعبها شر الاحتلال أو التقسيم أو ضياع الدولة ذاتها.
وتبدو دعوة رئيس الوزراء الباكستانى شهباز شريف صباح العاشر من مايو، وبعد ليلة هاجمت فيها القوات الهندية عدداً من القواعد العسكرية داخل باكستان، وليس في إقليم كشمير أزاد كما حدث في الهجوم السابق، لعقد اجتماع هيئة القيادة الوطنية العليا المتعلقة بالأسلحة النووية دعوة ذات دلالة بأن باكستان سوف تستخدم كل ما لديها من أسلحة أياُ كان نوعها وقدراتها لرد العدوان الهندى حال حدوثه، لاسيما إذا تجاوز ما تعتبره إسلام أباد الخط الأحمر الغير قابل لتجاوزه من قبل الهند، وهو يتضمن عدة مخاطر وتهديدات؛ كالاجتياح البرى لأجزاء من باكستان أو من إقليم كشمير زاد الواقع تحت الوصاية الباكستانية، وثانياً تعرض البلاد لضربات هجومية تستهدف مؤسسات الدولة الرئيسية ونخبتها القيادية، وثالثاً منع إمدادات المياه عن باكستان وتعطيل العمل بمعاهدة تقاسم مياه نهر السند وروافده الموقعة عام 1960 بإشراف ومشاركة من البنك.
أسلحة نووية.. رسائل ذات دلالة
التلويح باستخدام أسلحة نوعية كالقنابل النووية يمكن النظر إليه من عدة زوايا؛ الأولى هى زاوية الردع للجانب الهندى بحيث ألا يُقدم على مغامرة هجومية خطيرة تعرض أمن باكستان ووجودها واستقرارها للخطر الجسيم، وهو تلويح لا يغيب عنه أن الهند تمتلك أيضاً رؤوساً نووية قادرة على تدمير باكستان أو أجزاء كبيرة منها. وهناك كثير من المحللين الهنود ذوى الخلفيات العسكرية والأكاديمية خرجوا بعد 22 أبريل الماضى، فى وسائل الإعلام الهندية، والتى تموج فى حالة من الهيستريا الدعائية والسياسية المناهضة لباكستان وللمسلمين حتى فى داخل الهند ذاتها، دعوا حكومة بلادهم برئاسة مودى إلى استخدام هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل ضد باكستان، ومنهم من دعا إلى توجيه ضربة نووية إلى تركيا التي وقفت إلى جانب إسلام أباد، وأمدت جيشها بأسلحة متطورة لاسيما طائرات بيرقدار المسيرة ذات القدرات العالية، والتي لعبت دوراً رئيسياً فى توجيه ضربات قوية للمواقع العسكرية الهندية. والمثير أن تلك الدعوات الخبيثة تصورت أنها الوسيلة الأمثل لتحقيق هدف "القضاء الشامل على مصادر الإرهاب الإسلامي" في باكستان وفى غيرها من الدول الإسلامية بضربة واحدة وقوية. وهكذا تبدو تلميحات وتحركات إسلام أباد "النووية" كرسالة تذكير للهند بأن لديها القدرة على الرد بالمثل وأكثر، وأن الجميع خاسرون.
الردع على الطريقة الباكستانية
الزاوية الثانية تتعلق بالطبيعة الردعية والدفاعية للنهج الباكستاني، وذلك على تناقض تام للنهج الهندي الهجومي الاستعلائى. ويتضح ذلك فى التأكيدات الباكستانية بعدم صلتها بالحادث العنيف الذى حدث يوم 22 أبريل فى إقليم جامو كشمير الذي تسيطر عليه نيودلهي وقامت بضمه منذ 2019، فى الوقت الذى تصر فيه نيودلهى على تورط باكستان فى دعم الجماعات المناهضة للاحتلال الهندى، دون أن تقدم أي أدلة وقرائن على هذا التورط الباكستانى المزعوم.
لقد بدأت الهند بالهجوم مصحوباً بعدد من القرارات التي تؤثر على حياة الباكستانيين دون استثناء، من قبيل تعليق معاهدة تقسيم المياه، ومنع تدفقها إلى الأراضي الباكستانية، وفتح السدود ما يسبب فيضانات هائلة تقضى على مظاهر الحياة بلا حياء أو خجل، إضافة إلى طرد الباكستانيين المقيمين في الهند وكثير من الدبلوماسيين والطلاب. وهى جملة من السياسات الانتقامية التي عكست إدراكاً بتفوق هندى لن تستطيع إسلام أباد الرد عليه. ولكن ما حدث هو العكس، حيث أسقط الجيش الباكستانى في مرحلة أولى خمس طائرات، شملت ثلاث طائرات رافال وطائرتين روسيتين من طراز سو-30، وميج-29، ولم يتم استهدافهم إلا بعد مهاجمتها لباكستان، وفقاً لمتحدث باسم الجيش الباكستاني، والذى أسقط أيضاً طائرات مسيرة إسرائيلية الصنع، وهاجم عدداً من المواقع القيادية العسكرية الهندية في جامو وكشمير، بواسطة صواريخ متوسطة المدى صينية الصنع، واستخدم في ذلك الهجوم الكثير من الطائرات الصينية جى 10، والطائرات المسيرة تركية وإيرانية الصنع، ما عكس تنوع ترسانة الأسلحة الباكستانية وحداثتها.
وتعد المعركة المتبادلة ليلة التاسع والعاشر من مايو، حيث بدأت الهند ليلاً هجوماً موسعاً على ثلاث قواعد باكستانية كما سبق ذكره، وأحدثت أضراراً كبيرة في اثنتين منهما، فجاء الرد الباكستاني بعد أقل من ثلاث ساعات في عملية مركبة سُميت "البنيان المرصوص"، تكبدت فيها الهند خسائر كبيرة سبق الإشارة إليها. ومن المرجح أن هذه الخسائر لعبت دوراً في دفع نائب الرئيس الأمريكى جى دي فانس لإجراء اتصال مهم برئيس الوزراء الهندى، وإقناعه بضرورة وقف إطلاق النار منعاً للمزيد من الخسائر المعنوية والعسكرية.
والمرجح وفقاً لتطورات الأحداث، أن استخدام باكستان أسلحة صينية متطورة، كطائرات جي 10، وصواريخ جو- جو "بى إل 15"، المعروفة باسم صائد الطائرات نظراً لسرعتها الكبيرة التي تفوق 4 ماخ، ومدى يصل إلى 300 كم، في الرد على الهجوم الهندى فجر السبت العاشر من مايو، أضفى سمعة جيدة على الصناعة العسكرية الصينية وكفاءتها مقارنة ببعض المنظومات الغربية، ما اعتبرته الولايات المتحدة ضرراً يجب محاصرته على وجه السرعة عبر وقف إطلاق النار، وحث البلدين على إجراء مباحثات لتسوية ما يمكن تسويته بالحوار وليس بالسلاح.
عقبات وتعقيدات
تدل المواقف الأولية لكل من الهند وباكستان، أن هناك الكثير من العقبات تحول دون بناء تهدئة شاملة. فالهند التي تشعر بهزيمة نسبية، وفشل اقتلاع من تسميهم الإرهابيين الإسلاميين عسكرياً، تصر على أن كل الإجراءات العقابية ضد باكستان ما زالت سارية، ولا علاقة لها بوقف إطلاق النار، وهو موقف يعكس رغبة الهند في إغراق باكستان في حال من الفوضى، وتشتيت الجهود، وتوظيف تلك الإجراءات في أى مباحثات مقبلة. على الطرف الآخر، تبدو إسلام أباد أكثر شعوراُ بتحقيق انتصار عسكرى وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء، على الأقل من زاوية إظهار قدرات باكستان الردعية بالأسلحة التقليدية الحديثة ونجاح تحالفاتها العسكرية مع الصين وتركيا تحديداً، وتفوق عناصرها البشرية في استخدام تلك المنظومات التسليحية بكفاءة مشهودة. كما يعتقد رئيس الوزراء الباكستانى أن المعركة الحقيقية هي في المباحثات التي اتفق عليها.
الأمر على هذا النحو ينذر بمباحثات معقدة وصعبة على الطرفين، ومن المرجح ألا تُحدث تطوراً إيجابياً ما دامت الهند تصر على تصدير الفوضى لجارتها، وتعتمد استراتيجية إنهاك اقتصاد باكستان، وهو ما يضعه خبراء إسلام أباد في تقديراتهم العملية.
إجمالاً، فإن وجود أطراف خارجية بما في ذلك دور أمريكي نشط، يدعم خروج تلك المباحثات بنتائج عملية توافقية هدفها ضبط العلاقات بين البلدين ومنع المواجهات العسكرية، وخفض الحشود العسكرية على الحدود المشتركة، ووقف الإجراءات العقابية غير القانونية وغير المشروعة، يمثل خطوة ضرورية لأى نجاح مرغوب إقليمياً وعالمياً.