عاجل

«حياة كريمة» تضع قرى الريف المصري على خريطة التنمية

قرى حياة كريمة
قرى حياة كريمة

في وقت تسعى فيه الدولة المصرية إلى إحداث نقلة نوعية في مستوى معيشة المواطنين، برز مشروع "حياة كريمة" كأكبر مشروع تنموي في تاريخ البلاد لإعادة إحياء الريف، ليس فقط على مستوى البنية التحتية والخدمات، بل كمجتمعات إنتاجية قادرة على دعم الاقتصاد الوطني. وبينما تُعاد صياغة العلاقة بين القرية والدولة، يؤكد خبراء التنمية أن نجاح "حياة كريمة" مرهون بخلق بيئة تدعم ريادة الأعمال وتُعيد للفلاح مكانته كركيزة اقتصادية واجتماعية. 

في هذا السياق، يكشف الدكتور صبري الجندي، مستشار وزير التنمية المحلية الأسبق، والمهندسة نهى عبد الحليم، خبيرة التنمية المحلية، في تصريحات خاصة لنيوز رووم ،عن ملامح هذا التحول الكبير، وتحدياته، وشروط استدامته.

 

"حياة كريمة": مشروع وطني لإحياء الريف

في إطار جهود الدولة لإعادة إحياء الريف المصري وتحسين جودة حياة ملايين المواطنين، أكد الدكتور صبري الجندي أن مشروع "حياة كريمة" يمثل تحولًا جذريًا في مفهوم التنمية المتكاملة، ويعيد للقرية المصرية دورها الإنتاجي الذي فقدته خلال العقود الماضية، مؤكدا  إن المشروع يستهدف تطوير الريف المصري بشكل شامل، لخدمة نحو 58 مليون مواطن يعيشون في أكثر من 4800 قرية و31 ألف تابع ونجع، موضحًا أنه من أهم المشروعات القومية التي تسعى لتحسين البنية التحتية والخدمات مع تمكين المواطنين اقتصاديًا واجتماعيًا.


 

عودة القرية المنتجة

أشار الجندي، إلى أن "حياة كريمة" يعمل على إعادة القرية إلى بيئتها الإنتاجية الأصيلة من خلال دعم الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر. وأضاف: "في الماضي، كان الفلاح ينتج طعامه وملبسه ويبيع الفائض في الأسواق الأسبوعية، مما خلق اقتصادًا متوازنًا ومكتفيًا ذاتيًا".

 

من قرية مشوهة إلى مجتمع منتج

وتابع: "مع مرور الوقت، تشوه النمط الريفي، حيث أصبحت القرى تشبه المدن في البناء دون أن تنال نصيبها من الخدمات، بينما تحولت أطراف المدن إلى تجمعات ريفية بفعل الهجرة. النتيجة: تراجع الإنتاج، وزيادة الاعتماد على الدولة، وضياع هوية القرية المنتجة".


 

كيف تعود القرية إلى الإنتاج؟

أكد صبرى الجندى مستشار وزير التنمية المحلية الأسبق، أن استعادة الدور الاقتصادي للقرية يتطلب:

تشجيع الصناعات الصغيرة.

دعم مادي ومعنوي من خلال قروض ميسرة.

الحفاظ على الرقعة الزراعية لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار.


وحذّر من خطورة البناء على الأراضي الزراعية، قائلاً: "هذا التعدي يؤدي إلى نقص المعروض من السلع وارتفاع الأسعار، في القرية والمدينة على حد سواء".

 

تحديات التمويل والتنفيذ

عن التحديات التي تواجه "حياة كريمة"، أوضح الجندي أن ارتفاع تكلفة المشروع من 500 مليار إلى تريليون جنيه تسبب في تباطؤ التنفيذ. وقال: "كل تأخير يعني زيادة في أسعار المواد الخام، ما يضع عبئًا إضافيًا على الموازنة العامة".

 

السلوكيات تهدد التطوير

وأشار إلى أن بعض السلوكيات الفردية تعوق التنمية، مثل تشويه الطرق أو إهمال المرافق. وأضاف: "تغيير سلوك المواطنين ضرورة، فبدون وعي جماعي لن تصمد أي تنمية على المدى الطويل".

 

قرى منتجة: نموذج تنموي متكامل

من جانبها، أكدت المهندسة نهى عبد الحليم،  أن تحويل القرى المصرية إلى مجتمعات منتجة هو مسار أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، وتقليل البطالة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي. وأضافت أن "القرية المنتجة" ليست مجرد بنية تحتية، بل منظومة إنتاجية تحتاج إلى تمويل وتدريب وتسويق ودعم لوجستي.

 

شروط التحول إلى قرى منتجة

أوضحت عبد الحليم أن هناك 5 ركائز أساسية لهذا التحول:

1. تمويل المشروعات الصغيرة وتبسيط التراخيص.


2. توفير الإنترنت وتطوير البنية الرقمية.


3. التدريب الفني والمهني للشباب والنساء.


4. دعم التسويق الإلكتروني وربط المنتج بالمستهلك.


5. تعزيز الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.

 

نماذج نجاح وتحديات قائمة

أكدت عبد الحليم أن مصر تمتلك تجارب ناجحة، مثل قرية "كفر وهب" بالغربية، وعدد من القرى في أسيوط وسوهاج والوادي الجديد، استطاعت تحقيق عوائد اقتصادية من المشروعات الصغيرة.

لكنها نبهت إلى تحديات لا تزال قائمة، أبرزها:

ضعف الثقافة الإنتاجية.

غياب منظومة تسويقية متكاملة.

تعقيد الإجراءات.

ضعف الخدمات اللوجستية.

غياب التنسيق بين الجهات المعنية.

 

توصيات عملية لتحويل الحلم إلى واقع

قدمت عبد الحليم مجموعة من التوصيات أبرزها:

1. إعداد خريطة اقتصادية لكل قرية.


2. تطوير الجمعيات التعاونية كحاضنات للمشروعات.


3. إنشاء منصات رقمية للتدريب والتسويق.


4. تقديم حوافز للمستثمرين في الريف.


5. دمج القرى المنتجة في خطة التصدير الوطنية.

 

 "حياة كريمة" بداية الطريق وليس نهايته

اتفق الخبيران على أن "حياة كريمة" يمثل بداية جديدة لعصر القرية المنتجة، لكنه بحاجة إلى دعم مؤسسي، وتكامل مجتمعي، وتغيير ثقافي عميق. فبناء مجتمع ريفي قادر على الإنتاج والمنافسة هو مشروع وطني، لا يقل أهمية عن أي مشروع قومي آخر.
 

تم نسخ الرابط