عاجل

بين بر الوالدين وطاعة الزوج.. فتوى حاسمة من دار الإفتاء المصرية

 منع الزوجة من زيارة
منع الزوجة من زيارة والديها

يُعد بر الوالدين وصلة الرحم من أعظم القربات التي حثّ عليها الإسلام، حيث قرنها الله تعالى بعبادته، لما لها من أهمية عظيمة في حفظ بنيان الأسرة والمجتمع، وتزداد هذه الفريضة أهمية حين يبلغ الوالدان مرحلة الشيخوخة والضعف، فيكونان في أمسّ الحاجة إلى الدعم النفسي والروحي والمعنوي من الأبناء والبنات على حد سواء.

لكن في بعض الأسر، تنشأ خلافات زوجية قد تعوق الزوجة عن القيام بواجبها تجاه والديها، خاصة إذا تدخل الزوج بقرارات تمنعها من زيارة أهلها. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل من حق الزوج أن يمنع زوجته من رؤية أبويها؟ وهل طاعة الزوج مقدمة على بر الوالدين؟.

دار الإفتاء تحسم الجدل حول منع الزوجة من زيارة والديها

كشفت دار الإفتاء المصرية، في فتوى رسمية حكم في ضوء الشريعة الإسلامية، من خلال استعراض حالة إنسانية مؤثرة، لزوجة ظلت محرومة من رؤية والديها ثلاثين عامًا كاملة بسبب رفض الزوج.

وأكدت دار الإفتاء أن طاعة الزوجة لزوجها واجبة إذا كانت في حدود ما يرضي الله، وفيما يتعلق بالحقوق الزوجية المشروعة، أما إن أمرها الزوج بما يخالف شرع الله، فلا طاعة له في ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، كما ورد في رواية ابن أبي شيبة.

ليس من حق الزوج منع زوجته من زيارة والديها

أجمعت أقوال العلماء والفقهاء،  على أن الزوج لا يملك الحق في منع زوجته من زيارة أبويها، خصوصًا إذا كانا كبيرين في السن ولا يستطيعان زيارتها، بل عليه أن يسمح لها بالزيارة من وقت لآخر على وجه متعارف ومتزن، مع مراعاة ألا يؤدي ذلك إلى كثرة الخروج بشكل غير مبرر.

وشددت الفتوى على أن الإسلام أمر بصلة الرحم ونهى عن قطيعتها، مستشهدة بقول الله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: 22-23].

كما أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى ضرورة الإحسان إلى الوالدين، منها قوله عز وجل:
﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36]، وقوله أيضًا: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23].

أحاديث نبوية تؤكد مكانة صلة الرحم

وردت عدة أحاديث نبوية شريفة تبرز مكانة صلة الرحم، منها ما رواه الإمامان البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه»، كما جاء في حديث آخر عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ» رواه مسلم.

وهذا يؤكد أن صلة الرحم ليست مجرد عمل تطوعي أو تفضل من الإنسان، بل هي فريضة شرعية وواجب ديني لا يجوز التهاون فيه.

إذا منعها زوجها... من المخطئ؟

إذا أصرّ الزوج على منع زوجته من رؤية والديها بلا مبرر شرعي، فإنه بذلك يكون آثمًا شرعًا ومرتكبًا لمعصية، لأنه يتسبب في قطع صلة الرحم، ويحول بين الزوجة وأداء فرض من فروض الإسلام، وفي هذه الحالة، تكون الزوجة غير ملزمة بطاعته في هذا الأمر تحديدًا، لأنه يُعد طاعة في معصية.

ومن هنا، يجب أن يدرك الزوج أن السماح لزوجته بزيارة والديها لا يُعد ضعفًا في شخصيته أو انتقاصًا من قوامته، بل هو امتثال لأوامر الله ورسوله، وتحقيق لمعاني الرحمة والإنسانية داخل الأسرة.

إن صلة الرحم وبر الوالدين من أركان التماسك الاجتماعي، ومن الفرائض التي لا يجوز التهاون بها تحت أي مبرر. وعلى الزوج أن يكون عونًا لزوجته في أداء هذا الواجب، لا أن يكون عائقًا لها، وفي حال وجود خلافات أو مشكلات أسرية، فالحوار والتفاهم هما السبيل الأمثل للحل، وليس المنع والحرمان من الأهل.

وقد وضعت الشريعة الإسلامية قواعد واضحة تُعلي من شأن بر الوالدين وتُشدد على عقوبة قطيعة الرحم، فلا يجوز لأي زوج أن يمنع زوجته من زيارة أبويها دون مسوغات شرعية حقيقية، وإلا كان بذلك مرتكبًا لمعصية عظيمة.

تم نسخ الرابط