استراتيجية لمحاصرة بكين.. نوايا ترامب تجاه الصين بعد صفقة بريطانيا التجارية

في يوم بدا وكأنه مخصص للإعلان عن أول اتفاق تجاري للولايات المتحدة مع بريطانيا بعد اندلاع الحرب التجارية، سرق التنين الصيني الأضواء. فعلى الرغم من الأهمية الرمزية للصفقة البريطانية، كان الحضور والتوقيت والمضمون يدورون جميعًا في فلك الصين.
خلال مؤتمر صحفي استمر ساعة، طغت الأسئلة حول المفاوضات الأمريكية المقبلة مع بكين على جميع المواضيع الأخرى. حتى سؤال بسيط عن إمكانية تقليص الاعتماد البريطاني على التجارة مع الصين قاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الكشف عن نواياه الأكبر.
"الجائزة الكبرى" في الصين
قال ترامب أمام الصحفيين: "سيكون ذلك أعظم شيء حدث للصين على الإطلاق.. الناس هناك سيكونون أكثر سعادة، وسيشترون بأسعار أقل، وسيرون أشياء لم يرونها من قبل". ثم أضاف من خلف مكتب الرئاسة اللامع: "الصين ترغب بشدة في إبرام اتفاق، وسنرى كيف ستسير الأمور".
لم يكن المقصود من الإعلان مجرد توقيع صفقة مع لندن، بل كان تمهيدًا لمعركة اقتصادية أوسع نطاقًا، هدفها إعادة تشكيل العلاقات التجارية العالمية ووضع بكين أمام مفترق طرق جديد.
صفقة اللحظة الأخيرة
تزامن الإعلان مع الذكرى الثمانين ليوم النصر في أوروبا، واستفاد من دفء "العلاقة الخاصة" بين واشنطن ولندن، وحب ترامب للعائلة المالكة البريطانية. لكن العديد من المسؤولين البريطانيين فوجئوا بالتوقيت، خاصة وأن المفاوضات استمرت حتى الليلة السابقة للإعلان.
كان من اللافت أن اللورد مانديليسون، السفير البريطاني لدى واشنطن، لم يكن حتى في العاصمة خلال معظم الأسبوع، بل في رحلات إلى نيويورك وكاليفورنيا. حتى المكالمة الهاتفية التي جمعت ترامب بزعيم حزب العمال البريطاني، السير كير ستارمر، وجرت بموجبها المصادقة النهائية، لم تكن مؤكدة حتى اللحظات الأخيرة.
استراتيجية لمحاصرة بكين
كانت دول مثل الهند وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا مرشحة لتكون أولى الدول التي تُبرم صفقات تجارية جديدة مع واشنطن في عهد ترامب. لكن الصفقة البريطانية سارت بشكل أسرع وأبسط، مما أتاح للرئيس الأمريكي تحقيق "نصر سريع" قبل أن يتوجه أحد أبرز أعضاء حكومته إلى سويسرا لاستئناف المحادثات الحساسة مع المفاوضين الصينيين.
وقال ترامب، محذرًا من استمرار الفائض التجاري الصيني مع بلاده: "لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو". كما ألمح إلى إمكانية خفض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، مشيرًا إلى أن "الرسوم الآن لا يمكن أن ترتفع أكثر من 145%".
مسرح السياسة التجارية
شهد المكتب البيضاوي مشهدًا مسرحيًا بامتياز، حيث اصطف أعضاء الحكومة خلف ترامب، بمن فيهم نائبه جي دي فانس ووزير التجارة هوارد لوتنيك. حتى اللورد مانديليسون، رغم تماسك تعابير وجهه أمام نكات ترامب اللاذعة، نجح في إضحاك الرئيس بعرضه بيع سيارة "رولز رويس" له.
وفي الخلفية، كانت تُعرض لوحة توضح مكاسب الولايات المتحدة من الاتفاق: 5 مليارات دولار من فرص السوق الإضافية، و6 مليارات من العوائد الجمركية.
ومع إنهاء هذا الاتفاق الأول، يمكن لترامب أن يعلن أن استراتيجيته تؤتي ثمارها، بينما يستعد لخوض التحدي الأكبر: فرض إعادة ضبط شاملة للعلاقات الاقتصادية مع الصين.