الشيخ محمد رفعت.. مؤذن رمضان وصاحب الصوت الذي لا يُنسى

يُعد الشيخ محمد رفعت أحد أبرز أعلام قراء القرآن الكريم في العالم العربي، وهو الاسم الذي اقترن بجمال التلاوة وروعة الأداء، حتى بعد مرور أكثر من سبعة عقود على وفاته، بفضل صوته الفريد، أصبح الشيخ رفعت رمزاً لصوت القرآن عبر أثير الإذاعة المصرية، وأحد أهم الأصوات التي أثّرت في قلوب المستمعين وأذهانهم جيلاً بعد جيل.
نشأة الشيخ محمد رفعت
ولد الشيخ محمد رفعت في حي المغربلين بالقاهرة في 9 مايو 1882، وفقد بصره في سن الثانية، وبدأ مشواره مع القرآن مبكرًا، فحفظ كتاب الله كاملًا في سن الطفولة، وتعلّم أحكام التجويد والقراءات على يد كبار العلماء، حتى نال الإجازة من الشيخ عبد الفتاح هنيدي، صاحب أعلى سند آنذاك.
ورغم فقدان بصره، تميز رفعت بقدرات صوتية استثنائية، جعلته محط أنظار محبي القرآن الكريم في مصر وخارجها، وكان أول من افتتح البث الإذاعي المصري بصوته في عام 1934، حين تلا آية "إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا".

قيثارة السماء ومؤذن رمضان
لقّب الشيخ محمد رفعت بـ"قيثارة السماء" لما يحمله صوته من عذوبة وروحانية، واعتبره كثيرون "سيد قراء العصر"، وكان صوت الأذان بصوته خلال شهر رمضان الكريم كفيلاً بأن يجمع العائلات حول المذياع، حتى اقترن اسمه بأجواء الشهر الفضيل.
رغم طلبات متعددة من إذاعات عربية وعالمية، رفض رفعت مغادرة مصر، وهو ما أدى إلى خلاف مع المستشار البريطاني بالإذاعة المصرية آنذاك، انتهى بتدخل ملكي مباشر أعاده إلى الأثير بطلب من الملك فاروق.

تلاوة لا تُشبه أحداً
تميّز الشيخ رفعت بطريقة تلاوة فريدة تجمع بين التدبر والخشوع والدقة، وقدرته المذهلة على الانتقال بين المقامات الموسيقية دون تصنّع، وكان يبدأ بتلاوة هادئة تتصاعد تدريجياً لتصل إلى ذروة التعبير الصوتي، ما جعل تأثيره على السامعين يتجاوز مجرد السمع إلى التفاعل الشعوري الكامل مع آيات الذكر الحكيم.

زهد وورع وإنسانية
عُرف عن الشيخ محمد رفعت زهده وتقواه، وانتماؤه للطريقة النقشبندية الصوفية. كان عطوفًا على الفقراء، رقيق القلب، دائم البكاء أثناء التلاوة، ويتجنب كل ما يمكن أن يؤذي حنجرته من طعام أو عادات ضارة، رُوي عنه مواقف إنسانية عدة، منها بكاؤه أثناء تلاوة آية "فأما اليتيم فلا تقهر" عندما تذكر وصية أحد أصدقائه بابنته اليتيمة، فسارع إلى كفالتها حتى زواجها.

مدرسة مؤثرة في علم التلاوة
أثّر صوت الشيخ محمد رفعت في جيل كامل من القراء، أبرزهم الشيخ أبو العينين شعيشع الذي وصف صوته بأنه “الصوت الباكي”، كما كان الشيخ محمد رشاد الشريف من المتأثرين بطريقة رفعت، حتى أن الأخير قال عنه: “أستمع إلى محمد رفعت من فلسطين”.
وصفه الشيخ الشعراوي بأنه الجامع بين جمال الصوت وإتقان الأحكام وطول النفس، واعتبره أدباء وموسيقيون هبة إلهية لا تتكرر، منهم الموسيقار محمد عبد الوهاب والكاتب محمود السعدني.
اعتزال ووفاة بصمت الكبار
في عام 1943، أُصيب الشيخ محمد رفعت بورم في الحنجرة أفقده القدرة على التلاوة، لكنه رفض الاستعانة بأموال المتبرعين لعلاجه قائلاً: "قارئ القرآن لا يُهان".
ورحل في 9 مايو 1950، ودُفن بالقرب من مسجد السيدة نفيسة، كما كان يتمنى، ليظل اسمه محفورًا في ذاكرة التلاوة القرآنية إلى الأبد.