مبيت خبراء : تعزيز دور مصر في سوق الطاقة الإقليمي والعالمي عبر التعاون الاقليم

تشهد منطقة البحر الأبيض المتوسط تطورات متسارعة في مجال الطاقة، وهو ما يعكسه التعاون المتنامي بين مصر واليونان في قطاعات حيوية مثل الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة.
في ضوء هذه العلاقات الاستراتيجية، جاءت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى اليونان لتؤكد على الدور المحوري الذي تلعبه مصر في مجال الطاقة على المستويين الإقليمي والدولي. وقد ناقش عدد من الخبراء في قطاع الطاقة، منهم الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، والمهندس أحمد العايدي، خبير الغاز والبترول، هذه الشراكات الاستراتيجية التي تعكس التوجه المصري نحو تحقيق الاستفادة القصوى من موارد الطاقة.
التعاون المصري اليوناني: محاور استراتيجية لتعزيز الاستقرار الإقليمي
في تصريحاته، أشار الدكتور جمال القليوبي إلى أن زيارة الرئيس السيسي إلى اليونان تأتي في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مجال الطاقة. وأوضح أن هذه العلاقات تستند إلى ثلاثة محاور رئيسية، أولها التنسيق الاستراتيجي الموحد في السياسات الإقليمية، خاصة في منطقة شرق البحر المتوسط. وقال القليوبي: "نحن نتعاون بشكل مستمر في مواجهة التحديات الإقليمية، خصوصًا في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، لا سيما بعد التوترات الناتجة عن الاتفاق التركي الليبي."
وأشار القليوبي إلى أن توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان في 2023 كان نقطة فارقة، حيث مهد هذا الاتفاق الطريق لبدء عمليات التنقيب عن الموارد البحرية في المنطقة، مما يفتح الباب أمام استثمارات ضخمة في قطاع الطاقة. وتابع قائلاً: "هذا التعاون بين مصر واليونان يؤكد على الدور الحاسم الذي تلعبه هذه العلاقة في ترسيخ الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة."
مشاريع استراتيجية: الربط الكهربائي والهيدروجين الأخضر
من أبرز المشروعات المشتركة التي ناقشها القليوبي هو مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان عبر كابل بحري، الذي تدعمه اليونان بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي. وأكد أن المشروع سيتيح نقل نحو 3000 ميجاوات من الكهرباء النظيفة المنتجة في مصر إلى اليونان، ومنها إلى أوروبا. وأضاف القليوبي أن هذا المشروع ليس فقط خطوة هامة نحو تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الطاقة المتجددة، ولكن أيضًا يشمل تصدير الهيدروجين الأخضر من مصر إلى أوروبا عبر نفس الشبكة الكهربائية.
كما أشار إلى أن هذا الربط الكهربائي سيمهد الطريق لتعزيز قدرة مصر على تصدير الطاقة إلى أسواق جديدة، ما يعزز من دورها كمركز إقليمي للطاقة. وأوضح: "هذا النوع من التعاون يساهم في تأمين الطاقة لأوروبا ويزيد من التنوع في مصادر الطاقة، وهو ما يعد جزءًا من استراتيجية مصر نحو بناء اقتصاد أخضر ومستدام."
مستقبل الغاز المصري: التحديات والفرص
على صعيد آخر، تناول المهندس أحمد العايدي تطور قطاع الغاز في مصر، مشيرًا إلى أن حقل ظهر يعتبر من أبرز النجاحات التي حققتها مصر في مجال الغاز. وقال العايدي: "مصر تمتلك إمكانيات هائلة في مجال الغاز الطبيعي، ويجب استغلال هذه الإمكانيات بالشكل الأمثل. حقل ظهر هو أحد الأمثلة الناجحة، ولكنه يحتاج إلى المزيد من التعاون مع الشركات المحلية لخفض التكلفة المرتفعة المرتبطة بالشركات الأجنبية."
وأضاف العايدي أنه يجب تكثيف الاستثمارات في المناطق الأخرى في دلتا النيل، حيث توجد كميات كبيرة من الغاز التي لم يتم استغلالها بعد. "التحدي الأكبر يكمن في خفض التكلفة وزيادة الإنتاج المحلي، ما سيسهم في تأمين الغاز للسوق المصري وفتح آفاق جديدة للتصدير."
التعاون الإقليمي: المنتدى الثلاثي ومصر كمركز إقليمي للطاقة
وفيما يتعلق بالتعاون الإقليمي، تحدث العايدي عن أهمية التعاون بين مصر واليونان وقبرص في إطار منتدى غاز شرق المتوسط. هذا المنتدى، الذي يضم أيضًا إسرائيل والأردن وفلسطين، يعزز من قدرة الدول المشاركة على التعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية في المنطقة. وأوضح العايدي: "التعاون مع اليونان وقبرص في منتدى غاز شرق المتوسط أصبح ضرورة ملحة. نحن نحتاج إلى تعزيز التعاون بين هذه الدول لتسريع عملية الاستكشاف والإنتاج، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة."
وأضاف العايدي أن هذا التعاون يساعد في مواجهة التحديات المشتركة مثل التعديات التركية على المناطق الاقتصادية الخاصة بتلك الدول. وأكد على أن تعزيز الاستقرار الأمني في المنطقة سيسهم بشكل كبير في تسريع عمليات البحث والتنقيب عن الغاز في مناطق مثل شمال غرب المتوسط.
آفاق المستقبل: تعزيز التعاون مع أوروبا ودور مصر كمحور رئيسي
أشار القليوبي إلى أن التوجه الاستراتيجي نحو تعزيز التعاون مع الدول الأوروبية، مثل اليونان، يسهم في رفع قدرة مصر على تصدير الغاز إلى أسواق جديدة، ويعزز من دورها كمحور رئيسي في سوق الطاقة. وقال: "التعاون بين مصر واليونان في مجالي الغاز والكهرباء يعكس تحولًا استراتيجيًا نحو زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة والمستدامة."
من جانبه، أكد العايدي أن مصر بحاجة إلى المزيد من الاستثمارات الأجنبية وخاصة من الشركات الأوروبية والخليجية، لتعزيز قدرتها على تصدير الغاز وزيادة الإنتاج المحلي. وأضاف: "مصر تمتلك البنية التحتية اللازمة لتصدير الغاز الطبيعي، ولكن علينا أن نعمل على تقليل التكاليف وزيادة القدرة التنافسية لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الموارد."
استراتيجية مصر لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة
واتفق الخبيرين , أن مصر بصدد تعزيز دورها كمركز إقليمي للطاقة في البحر الأبيض المتوسط من خلال تعزيز التعاون مع اليونان ودول أخرى. عبر مشروعات استراتيجية مثل الربط الكهربائي والهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجال الغاز الطبيعي، فإن مصر تسعى إلى تقليل التكاليف وزيادة الإنتاج المحلي لضمان أمن الطاقة في المنطقة. في هذا السياق، تلعب زيارة الرئيس السيسي إلى اليونان دورًا محوريًا في تعزيز هذه العلاقات الاقتصادية الطموحة، مما يفتح الأفق أمام مزيد من الاستثمارات في قطاع الطاقة المصري ويعزز من استقرار المنطقة بشكل عام.