عاجل

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD: رحلة العلاج بدون أدوية

اضطراب فرط الحركة
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

في عالم اليوم الذي يتسارع فيه كل شيء، أصبحت قدرة الإنسان على التركيز والهدوء الذهني مطلبًا ضروريًا للحياة اليومية. ولكن بالنسبة للمصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، فإن الحفاظ على التركيز، والقدرة على التنظيم، والتفاعل بهدوء مع المهام اليومية، يشكّل تحديًا مستمرًا يتطلب حلولًا شاملة تتجاوز الأدوية التقليدية.

تُظهر البيانات الصادرة عن "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC" أن هذا الاضطراب العصبي لا يقتصر فقط على فئة عمرية أو بيئة مجتمعية بعينها، بل هو حالة منتشرة عالميًا، إذ تم تشخيص أكثر من 11% من الأطفال في الولايات المتحدة به خلال السنوات القليلة الماضية، ولا يزال عدد المصابين في تزايد.

ما هو اضطراب ADHD؟ وكيف يُعرّف طبيًا وسلوكيًا؟

ADHD هو اضطراب عصبي في النمو يبدأ غالبًا في مرحلة الطفولة، ويستمر في كثير من الأحيان إلى مرحلة البلوغ. يظهر بأشكال مختلفة، منها:

  • فرط النشاط: حركة دائمة، توتر حركي، وعدم قدرة على البقاء في مكان واحد لفترة طويلة.
  • نقص الانتباه: صعوبة في التركيز، سهولة التشتت، نسيان المهام والمواعيد، وتجنّب الأعمال التي تتطلب جهدًا ذهنيًا.
  • الاندفاعية: اتخاذ قرارات سريعة دون تفكير، صعوبة في الانتظار أو تقبل تأجيل المكافآت.


تختلف الأعراض من شخص إلى آخر، وقد تكون مصحوبة باضطرابات نفسية أو سلوكية مثل القلق، الاكتئاب، واضطرابات النوم.

ما هي محفزات تفاقم الأعراض؟

رغم أن الجوانب الوراثية تلعب دورًا في الإصابة، إلا أن هناك مجموعة من العوامل البيئية والسلوكية التي قد تؤدي إلى زيادة حدة الأعراض:

  • التوتر والضغوط النفسية: سواء في المدرسة، أو المنزل، أو مكان العمل.
  • قلة النوم أو اضطرابه: النوم غير المنتظم يؤثر على الأداء المعرفي والتركيز.
  • النظام الغذائي السيئ: تناول السكريات بكثرة، والدهون المشبعة، والمضافات الكيميائية.
  • الإفراط في استخدام الشاشات: الألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل يمكن أن تزيد من التشتت والاندفاع.
  • الضوضاء والبيئات غير المنظمة: تؤدي إلى فقدان السيطرة على السلوك وصعوبة في الانتباه.

هل هناك طرق لعلاج اضطراب فرط الحركة بدون أدوية؟

نعم. ورغم أن الأدوية مثل المنشطات العصبية (ريتالين، أديرال) تُعد من أكثر العلاجات شيوعًا، فإن كثيرًا من الأهالي والمصابين باتوا يبحثون عن طرق بديلة طبيعية تُقلل من الأعراض وتُعزز جودة الحياة، خصوصًا في حالات الأطفال الصغار أو الحالات التي لا تستجيب للعلاج الدوائي. إليك أبرز الطرق غير الدوائية:

التمارين الرياضية المنتظمة

أظهرت أبحاث متعددة أن ممارسة الرياضة الهوائية مثل الجري، السباحة، وركوب الدراجة تُعزز إفراز الناقلات العصبية مثل الدوبامين والنورإبينفرين، وهما نفس المواد التي تستهدفها الأدوية المنبهة لعلاج ADHD. يمكن اعتبار الرياضة وسيلة طبيعية لتحسين الانتباه وتخفيف الاندفاع.

الطبيعة كدواء أخضر

نشرت مجلة American Journal of Public Health دراسة كشفت أن قضاء الأطفال وقتًا منتظمًا في المساحات الخضراء يقلل من حدة أعراض ADHD. المناظر الطبيعية، وأصوات الطيور، والتعرض لضوء الشمس الطبيعي كلها عوامل تُسهم في تهدئة الدماغ وتنظيم الإيقاع الحيوي.

 التغذية الذكية: كيف يؤثر الطعام على الدماغ؟

  • الأطعمة الغنية بالأوميغا 3 (كالأسماك الدهنية وبذور الكتان) تعزز من صحة الدماغ وتحسّن من المزاج والانتباه.
  • الفيتامينات مثل B6 وB9 وB12 تلعب دورًا محوريًا في الأداء العصبي.
  • تقليل السكر المضاف والأطعمة المصنعة يساعد على استقرار مستويات الطاقة والحد من التقلبات المزاجية.


بعض الأطباء يوصون بحمية البحر المتوسط أو حمية DASH الغنية بالخضار، الحبوب الكاملة، الدهون الصحية، والأسماك.

 الارتجاع العصبي Neurofeedback

هذه التقنية العلاجية تعتمد على أجهزة خاصة تُراقب نشاط الدماغ في الوقت الحقيقي وتُقدم للمريض تغذية راجعة بصرية أو صوتية تساعده على تعلم كيفية تحسين أدائه الذهني والتحكم في أنماط موجات الدماغ. ورغم كونها مكلفة وتحتاج إلى عدة جلسات، إلا أنها أثبتت فعاليتها في بعض الحالات.

 العلاج المعرفي السلوكي (CBT)

هو نوع من العلاج النفسي يركّز على تعديل أنماط التفكير والسلوك غير المفيدة. يُعد مفيدًا جدًا للبالغين المصابين بـADHD، حيث يُساعدهم على اكتساب مهارات التنظيم الذاتي، التحكم في الوقت، وتقدير الذات.

الروتين والانضباط: بيئة منظمة تساوي دماغًا أهدأ

  • استخدام الجداول الزمنية.
  • تخصيص أماكن محددة للأنشطة.
  • تقسيم المهام الكبيرة إلى أجزاء صغيرة.
  • استخدام المكافآت والتعزيز الإيجابي.


هذه الأدوات تساعد الطفل أو الشخص المصاب على تقليل التشتت وتعزيز الأداء.

 التكنولوجيا في خدمة الدماغ

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على لعبة الفيديو العلاجية "EndeavorRX"، وهي أول لعبة رقمية تُعتمد كعلاج رسمي للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عامًا. تعمل هذه اللعبة على تعزيز قدرات الانتباه والتركيز من خلال تحديات تفاعلية ضمن بيئة ممتعة ومحفزة.


هل يمكن أن تكون هذه البدائل كافية دون دواء؟

رغم أن العلاج الدوائي قد يظل ضروريًا في العديد من الحالات، إلا أن الدمج بين العلاج السلوكي، والتغذية، والرياضة، والدعم الأسري، قد يُحدث فارقًا كبيرًا ويُقلل الحاجة إلى الجرعات العالية أو يقلل الأعراض الجانبية. لكل حالة خصوصيتها، والمهم هو التقييم الدقيق من قِبل اختصاصي نفسي أو طبيب أعصاب للأطفال.


نحو فهم شامل واحتضان إنساني للمصابين

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لا يجب أن يُنظر إليه كعائق، بل كاختلاف في طريقة عمل الدماغ يتطلب فهمًا خاصًا ودعمًا مناسبًا. الأطفال المصابون بالاضطراب غالبًا ما يمتلكون طاقات إبداعية خارقة وقدرات ابتكارية مدهشة إذا وُضِعوا في البيئة الصحيحة.

ومع ازدياد الوعي المجتمعي وتطور الوسائل العلاجية، أصبحت خيارات المساعدة متعددة وواعدة، شرط أن تبدأ برغبة صادقة في الفهم، لا في كبح السلوك

تم نسخ الرابط