عاجل

في قلب حي الخليفة جنوب القاهرة، وعلى امتداد شارع يحمل عبق التاريخ، يقف مسجد السيدة نفيسة شامخًا كواحد من أعظم المعالم الإسلامية التي تجمع بين الجمال المعماري والروحانية العميقة. هذا المسجد ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو محطة روحانية وتاريخية تحمل في طياتها قصصًا عن الإيمان والتقوى والعمارة الإسلامية المبهرة.

السيدة نفيسة، التي يُطلق عليها "نفيسة العلم"، هي حفيدة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وُلدت السيدة نفيسة في مكة المكرمة عام 145هـ (762م) ونشأت في المدينة المنورة، حيث تربت في بيت النبوة على العلم والتقوى. تزوجت من إسحاق بن جعفر الصادق، ورافقته إلى مصر في عام 193هـ (809م)، وقيل في عام 196هـ (811م)، حيث كان لقدومها أثر عظيم على أهل مصر الذين استقبلوها بحفاوة بالغة.

عُرفت السيدة نفيسة بعلمها الغزير وزهدها في الدنيا، وكانت ملاذًا للناس الذين يقصدونها لطلب العلم والدعاء. توفيت السيدة نفيسة في شهر رمضان عام 208هـ (823م) وهي صائمة، ودُفنت في منزلها الذي وهبه لها السري بن الحكم، وهو الموضع الذي يحتضن قبرها الآن.

يرجع بناء المسجد الحالي إلى عام 1314هـ (1896م)، عندما أمر الخديوي عباس حلمي الثاني بتجديده وتطويره ليصبح تحفة معمارية تليق بمكانة السيدة نفيسة. وقد خُلد هذا العمل في كتابة تأسيسية ما زالت محفورة على عتبتي المدخلين الرئيسيين للمسجد.

يتبع المسجد في تصميمه الداخلي تخطيط الأروقة دون وجود صحن مفتوح، مما يضفي عليه طابعًا مميزًا. كما يتميز المسجد بأربع واجهات حرة، بالإضافة إلى قبة رائعة تعلو قبر السيدة نفيسة، مما يجعل المسجد مزيجًا فريدًا من الجمال الروحاني والمعماري.

في إطار الاهتمام المتواصل بتطوير المعالم الإسلامية في مصر، قامت وزارة الأوقاف بإضافة توسعات حديثة إلى المسجد، شملت مسجدًا جديدًا مجاورًا للمسجد القديم، بالإضافة إلى ميضأة حديثة، ودار مناسبات، وقاعة استقبال مركزية. كما تم بناء منارة جديدة مماثلة للمنارة الأصلية، مما أضاف للمسجد لمسات معمارية عصرية دون المساس بروحه التاريخية.

وفي عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، شهد المسجد عملية ترميم شاملة، حيث تم افتتاحه مجددًا ليصبح جاهزًا لاستقبال الزوار والمصلين من مختلف أنحاء العالم، في صورة تجمع بين الأصالة والحداثة.

لا يقتصر دور مسجد السيدة نفيسة على كونه مكانًا للعبادة، بل هو مقصد روحاني وسياحي يأتي إليه الزوار من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. فالمسجد يحمل عبق التاريخ وروحانية أهل البيت، ويُعد محطة رئيسية في جولات السياحة الدينية في القاهرة، بجانب مساجد أخرى مثل مسجد الإمام الحسين ومسجد السيدة زينب.

مسجد السيدة نفيسة ليس مجرد بناء معماري، بل هو رمز للإيمان العميق والمحبة التي يكنها المصريون لأهل البيت. إنه مكان يجمع بين عبق التاريخ وروحانية الإيمان، ويُعد شاهدًا حيًا على عظمة الحضارة الإسلامية في مصر. زيارة هذا المسجد ليست مجرد رحلة إلى الماضي، بل هي تجربة روحانية تعيد للإنسان ارتباطه بجذوره الإيمانية وروحانيته العميقة.

تم نسخ الرابط