مع الاعتذار لكافة المعنيين على ضبط الخطاب الديني ومحاصرة الفتوى الشاذة والمتطرفة، آن الأوان أن نعلي صوت العقل والمنطق والاتحاد لا صوت الفرقة والتشرذم والعناد.
فمع إقرار اللجنة الدينية لمشروع قانون يخص محاصرة أصحاب الفتوى الشاذة علا صوت الصراع والخلاف من جديد فوق المنضدة، مأساة ربما توهم البعض ألا تحدث بعد تولي وزير جديد للأوقاف، خلاف معلن لا غبار عليه هذه المرة بين طرفين أحدهما يستعيد مشهدًا زائفًا وحجة واهية في أحقية يراد بها باطل وتلبيس هو أقرب ما يكون عن حنين جامع الخفين في تراث العرب فعاد بخفي حنين، وآخر يحاول الاستيقاظ من ثباته في اللحظات الأخيرة.
مشهد ربما يحسمه رجاء متأخر على غرار مشهد 2020 حينما طلب الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر أن يحضر الجلسة الختامية من عمر البرلمان السابق مدافعًا عن صلاحيات في طريقها للانتزاع، فكان له ما أراد بتعطيل مؤقت. لكن هل اطمئن الشيخ حينها أم كان له توجسه وحيطته التي جعلته يأخذ بأسباب عدم تكرار المشهد وكأننا في رحلة العجلة الزمنية للخلف؟
الشيخ وهيئة كبار العلماء الذي يجد أحد أعضائها اليوم الامتعاض والعناد وسيلة لتصدير أزمة من نوع آخر، عنوانها الإباء والكبرياء هل وجدا سبيلا وسطا في حسم عدم أحقية الأوقاف في تصدر الفتوى؟ هل فتشا عن حاجة المجتمع الحقيقية في ألا يعطى محطات الوقود فرصة أخرى بالتحكم في إشعال اللهب؟
نعم.. هل تساءلوا سويًا عن مأساة الأوقاف الحقيقية دون البحث عن أعباء أخرى تضاف إلى الجسد المتحلل، فأين هي سيطرة الأوقاف على المساجد أولا وهي لا تقدر على تنفيذ مهامها أو إظهار القدرة.
وهنا نقول للجميع وليس وزيرًا فقط ندرك حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة ومدى إخلاصه وصدقه: أين الأوقاف من المساجد حصرًا وسيطرة ونحن في أرقام تنأى عن تغطية أقل من نصفها بالسادة الأفاضل العلماء؟، ماذا عن الهيئة أرقامًا وواقعًا ومتى تستعيد توازنها بعد حقبة صراعات السيطرة والولاء والفساد لم تكشف عن نهايتها بعد؟
عذرًا سيدي الدكتور علي جمعة فليست المسألة ضبط للفتوى عندك حتى يكون شاغلك سابقة اعتراض برلمانية أو جماعة لا يروقك موقفها مما تريد، وعذرًا فضيلة الإمام فالواقع أظهر شرخا في أحقية أبناء المؤسسة ذاتها في الفتوى دون آلية تذكر في معاقبة أو انضباط.
عذرًا معالي الوزير ليس كل أزهري يستحق وليست الدورات التأهيلية بما يجب الاهتمام به أو إقرار لجان فتوى مشتركة بالمساجد قدر ما نحتاج لاستراتيجية واضحة بشأن عجز المساجد، أفكار أئمتها، جودة فرشها، قدرة على صيانتها دون تبرعات الناس، الإرث جد كبير فلا يكون بديلًا لفوضى فتاوى الشاشات فوضى أفكار الشارع وأئمة المساجد.
ختامًا.. آن الأوان لأن يكون لواء المؤسسة واحد وأن يقفوا جميعًا أمام مسؤولياتهم الدينية والوطنية وأن يتركوا أمر ظهور المختصين بالفتوى على الشاشات فلن تكلف المسألة قائمة سبق للراحل مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين أن وضعها في دقائق معدوات ويمكن صوغها بشكلٍ أكثر جدية.