ذكرى رحيل الفيلسوف المتصوف.. معلومات لا تعرفها عن الإمام عبدالحليم محمود

يحتفي علماء وطلاب الأزهر غدًا بذكرى الإمام الراحل عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الشريف، وذلك تزامنًا مع يوم رحيله والذي يوافق 12 مايو من كل عام، حيث يقصدون مسجده بقرية السلام مركز بلبيس بمحافظة الشرقية، وستنقل شعائر صلاة الجمعة الثانية من ذي القعدة 1446 هجريًا على الهواء مباشرة.
ويستعرض موقع «نيوز رووم» في السطور التالية بعضًا من سيرته العطرة وما قيل في شأن الإمام الراحل عبدالحليم محمود.

الشيخ عبدالحليم محمود.. مؤسس مجمع البحوث الإسلامية
ولد الإمام الراحل عبدالحليم محمود بعزبة أبو أحمد قرية السلام مركز بلبيس بمحافظة الشرقية 12 مايو 1910م، وتوفي يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 1978 م بعد عودته من رحلة الحج.
نشأ الشيخ الإمام عبد الحليم محمود في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، فحفظ القرآن الكريم في سِنٍّ مبكرة مِمَّا أثار إعجاب قريته ومحفظه، وكان والده -رحمه الله- صاحب دين وخلق وعلم، ذا همة عالية وثقافة، وكان ممن شغفوا بالثقافة الدينية وحلقات الأزهر العلمية، مما كان له الأثر في توجيه ابنه للدراسة بالأزهر.
التحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة 1932، ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ليحصل على الدكتوراه سنة 1940، وحينما عاد للقاهرة، عمل أستاذًا بجامعة الأزهر، وبعد سنوات تم اختياره لتولي أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم وزارة الأوقاف، ثم وعين وكيلًا للأزهر في 1970، وأخيرًا شيخًا للأزهر عام 1973.
رحلته العلمية
فدخل الشيخ عبد الحليم الأزهر سنة 1923م، وظل به عامين ينتقل بين حلقاته، حتى تم افتتاح معهد الزقازيق سنة 1925م، فألحقه والده به لقربه من قريته، ثم التحق بعدها بمعهد المعلمين المسائي، فجمع بين الدراستين، ونجح في المعهدين، ثم عُيِّن مُدَرِّسًا، ولكن والده آثر أن يكمل الشيخ عبد الحليم دراسته، فتقدم الشيخ لامتحان إتمام الشهادة الثانوية الأزهرية فنالها سنة 1928م، ثم استكمل الشيخ الإمام دراسته العليا، فنال العَالِمية سنة 1932م، ولم يكتف والده بأن يعمل ابنه الشيخ عبد الحليم مُدَرِّسًا بل تطلع لأكبر من ذلك، واختار لدراسة ابنه جامعة السوربون في باريس على نفقته الخاصة.
وآثر الشيخ عبد الحليم أن يدرس تاريخ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع، وحصل في كل منهما على شهادة عليا، وفي نهاية سنة 1937م التحق بالبعثة الأزهرية التي كانت تدرس هناك، وفاز بالنجاح فيما اختاره من علوم لعمل دراسة الدكتوراه في التصوف الإسلامي، وكان موضوعها: أستاذ السائرين الحارث بن أسد المحاسبي، وفي أثناء إعداد الرسالة قامت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر سنة 1939م، وآثر كثير من زملائه العودة، ولكنه بالإيمان القوي والعزيمة الصلبة أصر على تكملة الرسالة وبلغ هدفه وتحدد لمناقشتها يوم 8 من يونيه سنة 1940م، ونال الدكتوراه بدرجة امتياز بمرتبة الشرف الأولى، وقررت الجامعة طبعها بالفرنسية.

بدأ الشيخ الإمام حياته العملية مُدَرِّسًا لعلم النفس بكلية اللغة العربية، ثم نقل أستاذًا للفلسفة بكلية أصول الدين سنة 1951م، ثم عميدًا للكلية 1964م، وعين عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية، ثم أمينًا عامًّا له، وبدأ عمله بدراسة أهداف المجمع، وكوَّن الجهاز الفني والإداري من خيار موظفي الأزهر ونظمه خير تنظيم، وأنشأ المكتبة به على أعلى مستوى من الجودة، وبعدها أقنع المسؤولين في الدولة بتخصيص قطعة أرض بمدينة نصر لتخصيصها للمجمع لتضم جميع أجهزته العلمية والإدارية إلى جانب قاعات فسيحة للاجتماعات، فكان أول من وضع لبنات مجمع البحوث الإسلامية واهتم بتنظيمه، وواصل الشيخ عبد الحليم محمود اهتمامه بالمجمع بعد تعيينه وكيلا للأزهر ثم وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر، ثم شيخًا للأزهر.
في سنة 1970م صدر قرار جمهوري بتعيينه وكيلا للأزهر، فازدادت أعباؤه، واتسعت مجالات جهوده، فراعى النهضة المباركة في مجمع البحوث، وبدأ يلقي محاضراته في كلية أصول الدين، ومعهد الدراسات العربية والإسلامية، ومعهد تدريب الأئمة، إلى جانب محاضراته العامة في الجمعيات والأندية الكبرى بالقاهرة وغيرها من الأقاليم، وكان مع هذا كله يوالي كتابة الدراسات والمقالات في المجلات الإسلامية الكبرى، ويواصل الدراسات ويصنف المؤلفات القيمة ويشرف على رسائل الدكتوراه، ويشارك في المؤتمرات والندوات العلمية، وامتد نشاطه إلى العالم الإسلامي كله بنفس الهمة والنشاط.
زعيم أزهري خلد التاريخ اسمه في صفحات المجد والوعي
يقول الدكتور عبد الحميد متولي رئيس الجامعة الإسلامية بأمريكا اللاتينية – البرازيل: «هى مناسبة تحمل في طيّاتها مشاعر الفقد والامتنان، في ذكرى رحيل الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور عبدالحليم محمود – العالم الرباني، والمفكر المجدد، والزعيم الأزهري الذي خلد التاريخ اسمه في صفحات المجد والوعي والإصلاح».
وتابع: «لقد كان الإمام عبدالحليم محمود مثالًا نادرًا للعلماء العاملين، الذين جمعوا بين عمق الفقه، ونقاء العقيدة، وجمال السلوك، فقاد الأزهر الشريف في وقتٍ عصيب، بعقل المفكر، وعزيمة المجاهد، وبصيرة العارف. ومن كلماته الخالدة، التي تعبر عن جوهر رسالته، قوله: "إن الإيمان إذا استقرّ في القلب، غيّر مجرى الحياة كلها، وجعل للإنسان طاقة روحية تتجاوز حدود المادة وتسمو على الواقع».
وأكمل: «لقد آمن – رحمه الله – بدور الأزهر كقلعة للفكر الإسلامي الوسطي، ودافع عنه في وجه كل محاولات التشويه والتغريب، وحوّله إلى منارة إشعاع عالميّ، تؤثر في الفكر وتبني الضمير. مضيفًا أن الوفاء لهذا الإمام الكبير لا يكون فقط بذكر مناقبه، بل بالسير على نهجه، والتمسك برسالته، وإحياء فكره في مؤسساتنا، ومدارسنا، ومنابرنا الدعوية والتعليمية».
وتقدم باسم الجامعة الإسلامية بأمريكا اللاتينية، وباسم الجاليات الإسلامية في العالم الجديد، نرفع أسمى معاني التقدير والإجلال لروح هذا الإمام العظيم، ونعاهد الله أن نظل متمسكين بمنهجه، حافظين لرسالته، عاملين على نشر علمه.