قصة كفاح الحاجة هدي تاجرة الحبوب التي كسرت القيود وربّت أبناءها

في محافظة البحيرة، وتحديدًا في أحد مراكزها الريفية، تتردد بين ألسنة الناس سيرة الحاجة هدي، المرأة التي لم تنكسر أمام قسوة الحياة، والتي استطاعت أن تحول محنتها إلى منحة، لتصبح واحدة من أشهر تجار الحبوب الزراعية في المنطقة، وواحدة من أنصع الأمثلة على قوة المرأة المصرية في مواجهة التحديات.
ورثت المهنة... لكنها لم ترث السهولة
لم يكن طريق الحاجة هدي مفروشًا بالورود، فعندما فقدت زوجها منذ سنوات، وجدت نفسها أمام مسؤولية كبيرة: تربية أطفالها وتوفير لقمة العيش الكريمة لهم. وكان زوجها، رحمه الله، يعمل في تجارة الحبوب الزراعية، يتعامل مع المزارعين، ويبيع المحصول في الأسواق. بعد وفاته، لم يكن أمامها من خيار سوى أن تتولى زمام الأمور بنفسها، حتى لا يضيع تعب السنين، والأهم، حتى لا يُحرم أبناؤها من حياة كريمة.
كلمتها سيف... وصبرها درعها
بدأت الحاجة هدي العمل في السوق منذ الصباح الباكر، حيث اعتادت الخروج من منزلها في تمام الساعة السابعة صباحًا، حاملة معها ميزانها الصغير ومفكرة الأسعار، وخبرة اكتسبتها بالملاحظة والتجربة، ورغم النظرات المشككة والكلمات المحبطة من بعض الناس في بداية مشوارها، لم تهتز، البعض لم يتقبل فكرة وجود امرأة في سوق الحبوب، وآخرون قللوا من قدرتها على إدارة تجارة الرجال، لكنها ردّت على الجميع بالعمل والالتزام.
كلمتها كانت، ولا تزال، "سيفًا لا يلتوي" تشتهر بين المزارعين والتجار بأنها لا تقبل الغش، ولا تتأخر في السداد، ولا تساوم في الحق. وهو ما أكسبها احترام الجميع، حتى من كانوا يعارضون وجودها في السوق.
من مكسبها ربت أولادها ورفعت راسها
لم تتوقف الحاجة هدي عند مجرد البقاء في السوق، بل نجحت في تحقيق أرباح ساعدتها على تربية أبنائها وتعليمهم. حرصت على أن يكون رزقها بالحلال، فلم ترضَ أبدًا بأكل فلس مشبوه، وعلمت أبناءها القيم ذاتها. واليوم، أصبح بعضهم شبابًا يعتمد عليه، يفخرون بأمهم التي كانت لهم الأب والأم معًا.
شخصية قوية... وقلب أم
ورغم شدتها في التعامل التجاري، إلا أن كل من يعرف الحاجة هدي يشهد بطيبة قلبها ومساعدتها للغير. كثيرًا ما وقفت إلى جانب نساء أخريات يعانين من الظروف ذاتها، وشجعت البعض على دخول السوق، وأرشدت المزارعين الجدد إلى أفضل طرق تسويق محاصيلهم.
خاتمة
الحاجة هدي لم تكن فقط تاجرة حبوب، بل كانت قصة كفاح حقيقية تمشي على الأرض. امرأة صنعت من الفقد بداية، ومن التحدي طريقًا، ومن أبنائها ثمرة تعبها. واليوم، وبعد سنوات من العمل المتواصل، تقف شامخة كرمز للمرأة القادرة على تغيير واقعها، لا بالحظ أو الصدفة، بل بالإرادة والإصرار والإيمان بالنفس