إسرائيل - قطاع غزة
«35 مليار شيكل» تكلفة احتلال إسرائيل لقطاع غزة سنويًا

وسط الأحاديث عن إعادة احتلال قطاع غزة ، كشفت ورقة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي، أعدها الدكتور عوفر غوترمان، التكلفة الباهظة التي ستتكبدها إسرائيل في حال قررت إعادة احتلال القطاع بشكل عسكري ومدني كامل.
وشارك في إعداد الدراسة البروفيسور إستيبان كلور، الخبير البارز في اقتصاديات الأمن والإرهاب من قسم الاقتصاد في الجامعة العبرية والباحث الكبير في المعهد، حيث تولى تحليل الجوانب الاقتصادية والمالية لهذه الخطوة التي يُنظر إليها على نطاق واسع بأنها غير مستدامة اقتصاديًا، فضلًا عن كونها محفوفة بالمخاطر السياسية والإستراتيجية.
تكلفة احتلال إسرائيل لقطاع غزة

أولًا: التكلفة العسكرية – 25 مليار شيكل
وفقًا لتقديرات صادرة عن جهات أمنية ، يقدر أن استمرار الاحتلال العسكري لقطاع غزة سيكلف إسرائيل نحو 25 مليار شيكل سنويًا ، ويشمل هذا الرقم تكاليف تشغيل الجيش داخل القطاع ، تعبئة قوات الاحتياط، ونفقات لوجستية وأمنية إضافية.
وأوضح غوترمان أن الجيش الإسرائيلي ، أجرى بالفعل حسابًا أوليًا لهذه التكاليف تحضيرًا لطلب مخصصات إضافية من وزارة المالية ، مما يعكس إدراك المؤسسة الأمنية لثقل العبء المالي المترتب على أي خطوة من هذا النوع.
وتشمل هذه التكلفة العسكرية تمويل أربع فرق عسكرية تعمل باستمرار داخل غزة، وهو ما قد يُفسر سبب المعارضة التي أبدها وزير الدفاع السابق يوآف جالانت حيال إعادة احتلال القطاع. ورغم أن الجانب العسكري يشكل الجزء الأكبر من التكاليف المباشرة، إلا أنه لا يمثل سوى أحد أوجه العبء الاقتصادي الإجمالي.
ثانيًا: الإدارة المدنية – 10 مليارات شيكل
الجزء الآخر من العبء المالي يتجلى في تمويل الأنشطة المدنية داخل القطاع، والتي تقدر بنحو 10 مليارات شيكل سنويًا. يشمل هذا الرقم تشغيل آلية إدارة مدنية كاملة، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لنحو 2.2 مليون فلسطيني يقطنون قطاع غزة، موزعين على حوالي 400 ألف أسرة.
ويشير البروفيسور كلور، إلى أن هذا الواقع يختلف تمامًا عما كان عليه الحال قبل فك الارتباط عام 2005، حيث كانت السلطات الإسرائيلية تعتمد جزئيًا على الضرائب والأرباح الناتجة عن الاقتصاد المحلي في غزة. أما اليوم، في ظل الدمار الواسع والانهيار الكامل للبنية التحتية الاقتصادية، لم يعد بالإمكان التعويل على أي إيرادات محلية.
وحسب بيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فإن 90% من الأنشطة الاقتصادية في غزة متوقفة، مع انهيار شبه كامل للقطاع الخاص وبلوغ معدلات البطالة نحو 80%. في هذا السياق، يُشبه كلور، الوضع الاقتصادي في غزة بالحالات الإنسانية القصوى، إذ يرى أن التكلفة تُحسب على أساس ما يقدم لأفقر أسرة عربية داخل إسرائيل، والتي تُقدَّر بـ15000 شيكل سنويًا، مع الفارق أن سكان غزة لا يساهمون بأي إيرادات ضريبية أو اقتصادية.
ثالثًا: إعادة الإعمار – تكلفة غير مقدرة
في جانب لا يمكن تقديره رقميًا حتى اللحظة، يحذر كلور وغوترمان، من تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في القطاع، التي تقدر على الأرجح بعشرات، وربما مئات المليارات من الشواكل. وهذه العملية ستستغرق سنوات طويلة، وستتطلب مشاركة مؤسسات دولية، ومخصصات ضخمة من الميزانية الإسرائيلية.

الخطر الاقتصادي الكامن
يؤكد كلور، أن إسرائيل لا تمتلك حاليًا أي مصادر مالية يمكنها تمويل هذه الخطة الضخمة. وبالتالي، فإن الخيارات المتاحة تتركز في زيادة العجز المالي، أو فرض ضرائب جديدة، أو إجراء تخفيضات قاسية في الإنفاق العام، وهي كلها سيناريوهات صعبة التحقق في ظل الرفض الشعبي الواسع لأي ضغوط اقتصادية إضافية.
وفقًا لتقديراته ، فإن كلفة الاحتلال ستؤدي إلى ارتفاع نسبة العجز من 5% إلى ما بين 6.5% و7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعد مستوى غير مستدام في المدى المتوسط، خصوصًا بعد عامين من العجز المرتفع. وقد يُترجم هذا إلى خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، أو رفع الفوائد على سندات الدين الحكومي، وصولًا إلى سيناريو أزمة مالية يصعب الخروج منها.
وتأتي هذه الحسابات في وقت صعب اقتصاديًا، إذ يشير الباحثان إلى أن إعادة الاحتلال ستكون في مرحلة ما بعد الحرب، حين تحتاج إسرائيل إلى التعافي الاقتصادي، وفي ظل أوضاع اقتصادية عالمية غير مستقرة تتسم بضعف النظام العالمي، وتصاعد النزعة الحمائية، والحروب التجارية.

أبعاد إستراتيجية وسياسية خطيرة
الورقة تحذر كذلك من تداعيات غير اقتصادية، إذ أن احتلال غزة سيُلزم إسرائيل بتحمل المسؤولية الكاملة عن الوضع الإنساني والإداري في القطاع، وسيسبب توترًا شديدًا في العلاقات مع الدول العربية، خصوصًا السعودية، بما يهدد بتجميد عملية التطبيع الإقليمي، التي تُعد حاليًا إحدى أهم أوراق الضغط في وجه إيران والمحور الإسلامي المتشدد.
وفي مقابل هذا التحليل العقلاني المدعوم بالأرقام والبيانات، يبرز تصريح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي وصف التقديرات الاقتصادية بـ"الهراء المقنع"، مدعيًا أن التكلفة لن تتجاوز "بضع مئات الملايين"، في موقف اعتُبر دليلاً على انفصال تام عن الواقع الاقتصادي والسياسي.
ويلفت كلور، في هذا السياق إلى المفارقة الصارخة في كون "أقوى رجل في السياسة الإسرائيلية اليوم" لا يستطيع تخطي العتبة الانتخابية في الاستطلاعات، ومع ذلك يُدير اقتصاد الدولة بتقديرات أقرب إلى الأوهام منها إلى الحقائق.