عاجل

أسباب التحول من الدفاع للهجوم.. معضلة الحوثيين تضع إسرائيل أمام خيارات صعبة

جماعة الحوثي
جماعة الحوثي

أدى نجاح جماعة الحوثيين اليمنية في إصابة منطقة قريبة من مطار بن جوريون في إسرائيل بواسطة صاروخ باليستي أطلقته في 4 مايو 2025، إلى إثارة قلق بالغ لحكومة بنيامين نتنياهو. وعلى الفور، طلب المجلس الأمني المٌصغر (المكلف بالقرارات الأمنية) من الجيش تقديم خطط هجومية لردع الحوثيين. وحذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، من أن الرد سيكون قاسياً، قائلاً في بيانه: "سنضرب كل من يهاجمنا سبعة أضعاف".

ووفقًا لدراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإنه يمكن طرح عدد من التساؤلات حول دلالة هذا الحدث وتلك التصريحات من جانب إسرائيل، وذلك على النحو التالى:

1- هل بدأت إسرائيل في التحول من الاستراتيجية الدفاعية التي اتّبعتها ضد تلك الجماعة منذ أكتوبر 2023، إلى استراتيجية هجومية تستهدف إيقاع الهزيمة بها؟، وما هو دوافع هذا التحول بالرغم من أن حادث مطار بن جوريون لم يكن الأول من نوعه؟، حيث سبق وأن شنت إسرائيل غارة انتقامية هى الأولى من نوعها في اليمن في 20 يوليو 2024 رداً على هجوم نفذه الحوثيون بمسيرة أدت إلى إصابة بناية في تل ابيب ووفاة شخص واحد جراءها.

2- بافتراض فتح إسرائيل جبهة قتال بشكل يومي أو مستمر مع جماعة الحوثيين، هل بوسع إسرائيل تحقيق نتائج ملموسة من وراء ذلك؟، وهل يضمن هذا التوجه وقف هجمات الحوثيين ضد إسرائيل؟

3- هل تمتلك إسرائيل فرصة حقيقية لمفاجأة جماعة الحوثيين بأسلحة أو تكتيكات جديدة يمكنها أن تردع تلك الجماعة، على شاكلة سابقة هجمات "البيجر" التي نفذتها إسرائيل ضد حزب الله في لبنان، وأدت إلى اضطراره للقبول بوقف إطلاق النار وزيادة الضغوط الداخلية والخارجية لدفع الحزب إلى التخلي عن سلاحه؟

4- ما هي الخيارات البديلة أمام إسرائيل لتحييد المخاطر التي تشكلها جماعة الحوثيين على أمنها إذا لم تكن قادرة على إلحاق الهزيمة العسكرية بها؟

أسباب التحول من الدفاع للهجوم وتبعاته

اتخذت إسرائيل موقفاً دفاعياً في مواجهة الضربات الصاروخية التي تلقتها من جانب جماعة الحوثيين منذ أكتوبر 2023، وتمثلت الاستراتيجية الدفاعية في الاكتفاء باعتراض الصواريخ والمسيرات الحوثية، والاعتماد على التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الشركاء الأوروبيين لأداء المهمة نفسها، ولم تتحرك إسرائيل نحو الهجوم المباشر ضد الجماعة إلا مرتين فقط في يوليو 2024، ويناير 2025.

في المرتين، اضطرت إسرائيل للرد بشن هجمات انتقامية، لا يمكن وصفها بتحول نحو استراتيجية هجومية دائمة، حيث استهدفت فقط تهدئة الرأى العام الإسرائيلي الذي شعر بالقلق البالغ نتيجة وصول الصواريخ الحوثية إلى مناطق كان يعتقد أنها محمية بشكل كافٍ (تل أبيب كعاصمة تجارية، ومطار بن جوريون). علاوة على ذلك، أدت الضربات نفسها إلى إثارة الشك في قدرة المنظومات الدفاعية، سواء تلك التي تمتلكها إسرائيل أو حلفاؤها، على التصدي لتك الهجمات. وقد ترتب على ذلك أيضاً أضرار معنوية واقتصادية كبيرة نتيجة اضطرار مئات الآلاف من الإسرائيليين للذهاب إلى الملاجئ لعدة ساعات بشكل متكرر، وارتفاع تكاليف إنتاج السلع والخدمات جراء فقدان انتظام العمل في معظم مؤسسات الدولة التي تعاني أصلاً من نقص الأيدي العاملة بسبب طول مدة استدعاء جنود وضباط الاحتياط في حروب إسرائيل المتعددة الجبهات منذ عام ونصف.

لم يتوعد نتنياهو في رده على ضرب مطار بن جوريون بفتح جبهة دائمة مع الحوثيين في الوقت الراهن، ولكنه تحدث عن توجيه مزيد من الضربات للحوثيين وفقط. وأشار إلى مشاركة إسرائيل في بعض الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية للحوثيين، ولكنه رفض الكشف عن أي تفاصيل.

 ومن المؤكد أن الهجوم على مطار بن جوريون قد حفّز المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نحو إيلاء أهمية كبرى للمواجهة مع الحوثيين حالياً، وقد تتخلى إسرائيل عن موقفها الدفاعي ضدهم، كما قد تضطر إلى عدم الاكتفاء بالردود الانتقامية على ضرباتهم، والتحرك نحو استراتيجية تقوم على توجيه ضربات استباقية أو وقائية، دون أن تصل إلى حد فتح جبهة قتال يومي مع الحوثيين، ولكن هناك الكثير من العوائق أمام هذا المسار تتمثل في:

1- الافتقار حتى اللحظة الحالية إلى معلومات استخبارية موثوق بها عن مواقع انتشار مخازن ومنصات الصواريخ التي يطلقها الحوثيون، وهو ما يستدعى المغامرة ببناء قرار الضربات الوقائية والاستباقية المحتملة ضد الحوثيين على معلومات أوّلية وغير متيقن من مدى صحتها.

2- قد لا تنجح الضربات الوقائية والاستباقية في تهدئة قلق الرأى العام الإسرائيلي طالما ظل بإمكان الحوثيين إطلاق الصواريخ صوب إسرائيل حتى بوتيرة متباعدة زمنياً.

3- قد تضطر إسرائيل لوقف مثل هذه الضربات بعد بدءها بمدة قصيرة، للتركيز على جبهة غزة بهدف تحقيق اختراق يدفع حماس إلى الإفراج عن رهائنها.

4- الحاجة إلى توفير جهود سلاح الجو الإسرائيلي للمعركة المحتملة مع إيران، سواء في حالة فشل المفاوضات الأمريكية – الإيرانية في التوصل إلى اتفاق يقضى بتحجيم التطلعات النووية الإيرانية، أو في حال تم التوصل إلى اتفاق لا يرضي المطالب الإسرائيلية في حدها الأدنى والمتمثلة في تخفيض معدلات التخصيب في المفاعلات الإيرانية لمستوى لا يتيح لها إمكانية صناعة أسلحة نووية، وإشراف الولايات المتحدة الأمريكية على الوقود النووي عالى التخصيب الذي راكمته إيران على مدى سنوات عدة، أو نقله إلى روسيا.

هل تتمكن إسرائيل من إحداث مفاجأة استراتيجية؟

قياساً على المفاجأة التي أحدثتها إسرائيل في العام الماضى والمعروفة باسم "هجمات البيجر" والتي تسببت في إخراج حزب الله من جبهة المواجهة مع إسرائيل، هل يمكن أن تتمكن إسرائيل من تدبير مفاجأة مماثلة ضد الحوثيين؟

من دون شك، يمكن توقع أن الجهود الاستخباراتية الإسرائيلية للبحث عن الثغرات في صفوف قوات جماعة الحوثيين قد تكثفت منذ أكتوبر 2023، ولكن حتى الآن لا تظهر أية نتائج ملموسة في هذا الاتجاه. فالفارق شاسع بين الجبهة مع حزب الله والجبهة مع الحوثيين، من عدة جوانب أهمها:

1- عدم اعتماد الحوثيين على منظومة اتصالات يمكن مراقبة مستخدميها من قادة وضباط وجنود، كما أن الدرس الذي تعلمته جماعة الحوثيين مما جرى لحزب الله قد زاد من حذرها، بما يقلص من فرص اغتيال قادتها السياسيين والعسكريين.

2- على العكس من وجود قوى معارضة في الداخل اللبناني لحزب الله والذي وضع قيوداً كبيرة عليه في إدارة الحرب ضد إسرائيل، فإن جماعة الحوثيين تتمتع بحاضن اجتماعي قوي وموحد أيديولوجياً في عدائه لإسرائيل والغرب.

3- حتى العمليات العسكرية الخاصة داخل الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن والتي سبق لإسرائيل تنفيذ مثيلاتها في مسارح عمليات مختلفة مثل لبنان وسوريا والعراق وإيران، يبدو من الصعب على إسرائيل التفكير فيها، نظراً لبعد المسافة مع اليمن من جانب، والطبيعة الجغرافية الصعبة له من جانب آخر.

4- قد لا توافق الولايات المتحدة الأمريكية على خطط إسرائيلية طموحة ضد الحوثيين، خوفاً من تطور الأمور إلى حد تعريض القواعد والأساطيل الأمريكية في المنطقة لأخطار كبرى، إذا ما قررت جماعة الحوثيين توجيه ضرباتها نحو تلك الأهداف.

بسبب هذه العقبات، يصعب تصور إمكانية تحقيق إسرائيل مفاجأة استراتيجية تغير من مسار التصعيد الحالي من جانب جماعة الحوثيين.

الخيارات الإسرائيلية البديلة

كما أسلفنا سابقاً، يبدو من الصعب على إسرائيل إيقاف ضربات الحوثيين ضدها، كما يصعب عليها إحداث مفاجأة استراتيجية للحوثيين سواء باستخدام أسلحة جديدة أو تحقيق اختراق استخباراتي يؤدي إلى اغتيال قادتهم، ومن ثم لن يكون أمام نتنياهو وحكومته سوى العمل في عدة مسارات متوازية هى:

1- التحول الانتقائي نحو الهجوم وعدم الاكتفاء بالاستراتيجية الدفاعية، عبر شن هجمات استباقية نحو مواقع تخزين الصواريخ التي يمكن رصدها.

2- محاولة إدخال الحوثيين في مواجهة مع بعض دول المنطقة عبر استغلال أي خطأ في إطلاق الصواريخ الموجهة لإسرائيل أو صناعة هذا الخطأ بنفسها، بما يؤدي لتعرض بعض من بلدان المنطقة لخسائر نتيجة سقوط الصواريخ الحوثية في أراضيها.

3- محاولة تحقيق حسم سريع في جبهة قطاع غزة، وصولاً لإمكانية استجابة حماس لمطالبها، بما يحرم الحوثيين من شرعية مطلبهم بوقف الضربات الموجهة لإسرائيل مقابل انسحابها من غزة.

4- التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأى دولة أخرى تقبل بالمشاركة في توجيه ضربات مستمرة وشبه يومية لجماعة الحوثيين ومخازن أسلحتها وموانئها، وذلك لضمان استمرار الضغط عليها ومنعها من حرية إطلاق صواريخها إلى حد كبير.

5- محاولة إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه ضربة عاجلة مشتركة أمريكية -إسرائيلية لإيران لتحقيق هدفين معاً هما: حرمان الحوثيين من الإمدادات والخبرات العسكرية الإيرانية، والقضاء على المشروع النووي الإيراني، خاصة إذا ما تعثرت المفاوضات الأمريكية – الإيرانية في الوصول إلى اتفاق.

6- الاستعداد لتوجيه ضربة منفردة لإيران حال امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن المشاركة في ضربها، وهو ما تعتقد إسرائيل أنه سيجبر الحوثيين على الامتناع لاحقاً عن توجيه ضرباتهم لإسرائيل.

ويبقى القول إن معضلة الحوثيين بالنسبة لإسرائيل، يصعب حلها في الأمد المنظور بالحسابات التقليدية، ولكن قد تحدث مفاجأة غير منتظرة أو متوقعة بالحسابات السالف ذكرها، تفتح مساراً مختلفاً لا يمكن رصده، ولكن يجب التفكير في كيفية التعامل معه عند تشكله.

تم نسخ الرابط