عاجل

أصبحت شبكة الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من حياة أي شخص يَملك هاتفًا أو كمبيوترًا لوحيًا، بهدف الوصول إلى العلوم والـمعرفة والتواصل بين الأشخاص، وهذا هو الهدف الأسمى من وراء هذه التكنولوجيا التي تتسارع وتتبارى فيها الدول والكيانات الاقتصادية من أجل إحراز تفوق على غيرها من المنافسين، وبغض النظر عن نوعية المستخدمين سواء أكانوا صغارًا أو كبارًا، فإن لهذه التكنولوجيا وجه آخر، وهو الوجه القبيح للإنترنت.

وتتعدد أوجه الجرائم التي يتم ارتكابها عبر الإنترنت مثل جرائم الاحتيال المالي، وجرائم الإبتزاز الإلكتروني بكل صورها، جرائم الإرهاب وغيرها من الجرائم، ولعل الـمتتبع للتطور الهائل الذي أحدثته هذه التكنولوجيا الحديثة من اختلاق صور جديدة للجرائم لا يجدها على الجرائم التقليدية، فقد يظن القارئ أن الـمقصود بالمخدرات الرقمية هو استخدام الإنترنت في الترويج للمخدرات، بل هناك نوعًا من الـمخدرات يتم بثها عن طريق الإنترنت، وهي عبارة عن ملفات صوتية وموجات يتم بثها للسيطرة على المخ ويشعر من خلالها الـمتعاطي لتأثير يتشابه كثيرًا مع تأثير الـمخدرات الحقيقية. 

كما تؤدي إلى إحداث آثار الهلوسة وتغيير وتعديل الحالات العاطفية والمزاجية للمستمع، ويقوم مخترعي هذه الملفات باستخدام الموسيقى بطرق تتنافى مع الاستخدام الطبيعي لها بغرض انتقال الـمتعاطي لها إلى عالم اللاشعور واللاوعي والخروج إلى عالم الهلوسة والإحساس بالنشوة، والشرود الذهني. 

ومن وجهة نظر قانونية... فإن أغلب متعاطي الـمخدرات الرقمية غالبًا ما يرتكبون جرائم منفصلة عن جريمتهم الأساسية، وعلى سبيل المثال في حالة قيادة متعاطي المخدرات الرقمية لسيارة وهو في حالة شرود ذهني، بالكاد ستكون النتائج مؤلمة أو مشابهة كما لو كان متعاطيًا للـمخدرات الحقيقية. 

وعلى العكس فإن العلاج الطبي قد يُفيد في الـمخدرات الحقيقية عن طريق إخضاع الـمتعاطي لبروتوكول العلاج المعروف، ولكن يصعب معالجة ذلك بالنسبة للمخدرات الرقمية، إذ يستلزم الأمر –في الـمخدرات الرقمية- علاج الـمتعاطي نفسيًا، وبعيدًا عمّا قد تراه من استخدام الطبيب النفسي للموسيقى التي تبعث الهدوء والاسترخاء أثناء جلسة العلاج، فإن الطبيب هنا سيجد نفسه حائرًا لأنه سيضطر إلى علاج الـمتعاطي من بعض أنواع الموسيقى التي تُسبب له الحالة الـمزاجية الـمنبوذة. 

كما أنه بعيدًا عن الإحصائيات غير الرسمية التي تُشير إلى وجود الكثير من الـمواقع الـمملوكة لشركات تتبع عائلات الـمافيا، فإن الظاهرة موجودة ومنتشرة بكثافة لدى مراحل عمرية معينة (بداية من سن الـمراهقة حتى سن الـ 40 سنة)، ولكن إزاء هذا الخطر المحدق الذي بدأ يتسرب رويدًا رويدًا في داخل الـمجتمعات تقف التشريعات الجنائية عاجزة عن تجريم هذا النوع من الـمخدرات، إذ تختلف هذه الجريمة عن الجرائم الـمالية الـمرتكبة عبر الإنترنت ففي الأخيرة نرى أثر الضرر واضحًا، لكن صعوبة إثبات الأثر النفسي الذي تخلقه جريمة تعاطي الـمخدرات الرقمية هو ما يقف عائقًا للتجريم. 

وهو ما يدفعني إلى التساؤل...! لـماذا لا يقوم الـمتخصصين من الأطباء النفسيين وبالاستعانة بالـمبرمجين للوصول إلى وضع تصنيف للموسيقى التي تؤثر سلبًا على وعي الأفراد بالـمجتمع وتنقلهم من مرحلة الوعي إلى مرحلة اللاوعي؟!!!

كما أن التساؤل ذاته يطرح نفسه بالنسبة لـمراقبي الخدمات الرقمية والجهات المختصة بإصدار تصاريح بث الـمحتوى الرقمي. 

ومن وجهة نظري فإن الأمر يحتاج إلى إعمال دور الأسرة والـمدرسة من أجل الـمكافحة أيضًا، واستخدام سُبل الرقابة والتوعية للأطفال والشباب في الـمراحل العمرية الحرجة ومراقبة الـمحتوى الذي يستمعون إليه حتى لا تنخرط أرجلهم إلى طُرق مظلمة وتكون نهايتها مأساوية. 

تم نسخ الرابط