تحذير من الحكومة بشأن قانون الإيجار القديم: فسخ العقود تلقائيًا بهذه الحالة

على مدار عقود، ظل قانون الإيجارات القديمة أحد أكثر الملفات الاجتماعية والاقتصادية تعقيدًا في مصر، حيث ترتبط به ملايين الأسر، ويشكل محورًا دائمًا للجدل بين حقوق الملاك واستقرار المستأجرين، وبينما تطالب فئات واسعة بإعادة التوازن للعلاقة الإيجارية، تتمسك أخرى بحقوق مكتسبة ترى أنها مهددة في حال تعديل التشريع، ومع صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا ببطلان أحد نصوص القانون، تجد الدولة نفسها أمام ضرورة تشريعية ملحّة لوضع إطار قانوني جديد، يحفظ الحقوق الدستورية للطرفين، ويعالج تشوهات اقتصادية طال أمدها.
وفي ضوء هذا السياق، شهد مجلس النواب خلال الأيام الماضية مناقشات موسعة وحوارًا مجتمعيًا واسع النطاق حول مشروع تعديل القانون، وسط تباين في المواقف وارتباك في الأرقام، ومطالب متزايدة بإيجاد حل واقعي لا يُقصي أحدًا.
الحكومة تحذر: تعديل قانون الإيجار القديم ضرورة دستورية وإلا فسخ تلقائي للعقود
أكد المستشار محمود فوزي، وزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي، أن الحكومة تقدمت رسميًا بمشروع قانون لتعديل نظام الإيجارات القديمة، تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية العليا، مشيرًا إلى أن تثبيت القيمة الإيجارية لعقود قديمة تسبب في أضرار اقتصادية حتمت التحرك.
وأوضح فوزي، خلال اجتماع اللجنة البرلمانية المشتركة بمجلس النواب، أن عدم إصدار تعديلات تشريعية من البرلمان قبل نهاية دور الانعقاد الحالي، سيؤدي إلى دخول حكم المحكمة حيز التنفيذ تلقائيًا، مما يعني فسخ العلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر، مشددا على أن الحكومة لا تتحرك بشكل أحادي، بل تدير حوارًا مجتمعيًا موسعًا تشارك فيه الجهات المختصة والخبراء وممثلو المجتمع المدني.
عقود ما بعد 1996 خارج نطاق التعديل
من جانبه، أكد النائب إيهاب الطماوي، وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، أن عقود الإيجار التي أبرمت في أو بعد 30 يناير 1996 لا تدخل ضمن مشروع تعديل القانون، باعتبارها تخضع فعليًا لأحكام الإيجار الجديد.
جدل حول بيانات الجهاز المركزي للإحصاء
شهد الاجتماع خلافًا بين النواب حول دقة البيانات الإحصائية المقدمة بشأن الوحدات الخاضعة لقانون الإيجارات القديمة. حيث شكك النائب محمد الحسيني، وكيل لجنة الإدارة المحلية، في الأرقام التي عرضها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، متسائلًا عن طريقة جمع البيانات وعن تضارب الأرقام المتعلقة بعدد المستأجرين.
في المقابل، دافع النائب محمد عطية الفيومي، رئيس لجنة الإسكان، عن مصداقية الجهاز، مؤكدًا أن الأرقام الرسمية يجب أن تكون محل احترام واعتماد.
دعوة لرؤية حقوقية مكتوبة من "القومي لحقوق الإنسان"
طالبت اللجنة البرلمانية المجلس القومي لحقوق الإنسان بتقديم رؤية مكتوبة بشأن تعديلات قانون الإيجار القديم، حيث أكدت السفيرة مشيرة خطاب، رئيس المجلس، أن القانون يجب أن يُعدّ في إطار احترام الحق في السكن الكريم، مع الأخذ في الاعتبار محدودية الموارد، والانهيار الملحوظ لعدد من العقارات القديمة.
دراسة ميدانية تكشف رفضًا شعبيًا واسعًا للتعديل
وقدمت الدكتورة سهير عبد المنعم، أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، نتائج دراسة ميدانية أجريت عام 2019، أظهرت أن 95% من المستأجرين يرفضون تعديل القانون خشية التشريد، فيما بلغت نسبة المستأجرين المتقاعدين ضمن العينة 33.8%.
وقدمت الدراسة مقترحين لتعديل العلاقة الإيجارية، أولهما زيادة تدريجية في الإيجار كل ثلاث سنوات وفقًا للظروف الاقتصادية، مع السماح للقضاء بإنهاء العلاقة التعاقدية في حالات الضرورة، بينما اقترح الثاني إلغاء تدريجي للعقود القديمة خلال عشر سنوات، مع ضمانات انتقالية للمستأجرين.
أرقام رسمية تكشف عن آلاف الوحدات المغلقة
في سياق آخر، أوضح عبد الحميد شرف الدين، مستشار رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن عدد الوحدات السكنية المغلقة بسبب سفر الأسر للخارج بلغ 118,835 وحدة، بينما بلغ عدد الوحدات غير المستغلة لامتلاك السكان وحدات بديلة 300,866 وحدة.
كما أشار إلى وجود أكثر من 86 ألف منشأة خالية تعمل بنظام الإيجار القديم، فضلًا عن آلاف العقارات التي تحتاج إلى ترميم.
النواب يطالبون بتصنيف دقيق وتحديث للبيانات
طالب عدد من النواب بضرورة تقديم إحصاء حديث ومفصل يميز بين المستأجرين الأصليين والورثة، وتصنيف المناطق بين راقية وشعبية، مع تسليط الضوء على الوحدات المؤجرة من جهات حكومية مثل هيئة الأوقاف ووزارة قطاع الأعمال.
كما اقترح النائب عبد المنعم إمام إعداد حصر تفصيلي يشمل دخل وإنفاق الأسر المرتبطة بعقود الإيجار القديم لتكوين رؤية متكاملة تساعد البرلمان في صياغة تشريع متوازن.
مع اقتراب نهاية دور الانعقاد البرلماني، يظل قانون الإيجار القديم أحد أكثر الملفات حساسية وتشابكًا، وسط انقسام بين من يطالب بتحرير العلاقة الإيجارية، ومن يخشى المساس باستقرار الأسر، وهو ما سيناقشه مجلس النواب خلال الايام المقبلة.