مستقبل الطاقة النووية في مصر ..ما بين الطموح والتحدى
في ظل التغيرات المناخية وتقلبات أسواق الطاقة العالمية، تبرز الطاقة النووية كخيار استراتيجي تدفع به مصر بقوة نحو المستقبل، مستندة إلى رؤية طموحة لبناء منظومة متكاملة تحقق الاكتفاء الذاتي، وتدعم موقعها كمركز إقليمي للطاقة، و في قلب التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع الطاقة العالمي، تبرز مصر كلاعب طموح يخطو خطوات واثقة نحو ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية في مجال الطاقة النظيفة، وبينما تتجه أنظار العالم نحو حلول مستدامة لمواجهة تحديات المناخ وتأمين إمدادات الطاقة، تضع القاهرة حجر الزاوية في استراتيجيتها الطموحة من خلال الاستثمار في التكنولوجيا النووية السلمية.
فمن قلب مشروع "الضبعة" الاستراتيجي، الذي يُعد باكورة برنامجها النووي لإنتاج الكهرباء، تنطلق رؤية مصرية أكثر شمولية، يكشف عن ملامحها خبير بارز في المجال، مؤكدًا على قدرة البلاد ليس فقط على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، بل والتحول إلى مركز إقليمي مصدر للكهرباء النظيفة، مدعومة بإرادة سياسية صلبة وبنية تحتية واعدة.
- مشروع الضبعة.. حجر الأساس في الخريطة النووية المصرية
يمثل مشروع محطة الضبعة النووية، الذي تنفذه مصر بالتعاون مع شركة "روس آتوم" الروسية، أول محطة نووية سلمية لإنتاج الكهرباء في تاريخ البلاد. بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات موزعة على أربع وحدات، من المنتظر دخول أول وحدة منها الخدمة في سبتمبر 2028، على أن تكتمل جميع الوحدات بحلول عام 2030. المشروع يغطيه تمويل روسي بنسبة 85% بقرض يبلغ 25 مليار دولار، يتم سداده على 15 عامًا بعد التشغيل.
أهداف المشروع:
تنويع مزيج الطاقة وتقليل الاعتماد على المصادر الأحفورية.
تقليل انبعاثات الكربون.
توفير طاقة مستقرة ومنخفضة التكلفة للصناعة.
توطين التكنولوجيا النووية وتدريب الكوادر المصرية.
تصدير الكهرباء وربط الشبكات إقليميًا ودوليًا.
-من الضبعة إلى 20 محطة نووية: خريطة توسعية طموحة
وفقًا للدكتور علي عبد النبي، نائب رئيس هيئة المحطات النووية السابق، فإن مصر مؤهلة لإنشاء ما يصل إلى 20 محطة نووية موزعة في مناطق متعددة مثل:
الضبعة وغربها.
النجيلة 1 و2.
سواحل البحر الأحمر وسيناء.
الواحات (الفرافرة، الداخلة، سيوة). ويشمل ذلك محطات تقليدية كبيرة، وأخرى صغيرة ومتوسطة بقدرات تتراوح بين 50 و300 ميجاوات، تناسب احتياجات المناطق النائية والمحرومة.
-المحطات النووية الصغيرة: طاقة موزعة وتنمية أفقية
أشار عبد النبي إلى أن التوجه العالمي نحو المحطات النووية الصغيرة والمتوسطة يفتح الباب أمام مصر لإنشاء محطات لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه للتبريد، ما يجعلها مثالية لسيناء، حلايب وشلاتين، والواحات. هذه المحطات تُمثل حلًا مثاليًا لتحقيق تنمية متوازنة في المناطق الحدودية.
-إرادة سياسية داعمة وبنية تحتية متطورة
أكد عبد النبي أن المشروع النووي المصري ظل معطلًا لعقود بسبب غياب الإرادة السياسية، حتى بدأ التحرك الفعلي في 2007، وتوج بتوقيع اتفاق رسمي مع روسيا في 2017. ويعد توافر الإرادة السياسية والبنية التحتية حجر الزاوية لنجاح هذا التحول.
-الطاقة النووية والتزامات المناخ
شهد مؤتمرا المناخ COP28 وCOP29 إقرارًا رسميًا غير مسبوق بأهمية الطاقة النووية كأحد ركائز التكنولوجيا النظيفة. وهناك توجه دولي لمضاعفة قدرات المحطات النووية ثلاث مرات بحلول 2050، وهو ما يتوافق مع التزامات مصر المناخية وتوجهها الاستراتيجي.
-الطاقة النووية في خدمة الربط الكهربائي الإقليمي
أوضح عبد النبي أن المحطات النووية توفر استقرارًا عاليًا للشبكة بنسبة تفوق 90%، ما يجعلها مثالية للربط الكهربائي مع السعودية والخليج وأوروبا، خاصة مع بدء مصر بالفعل تصدير الكهرباء إلى الأردن، ليبيا، والسودان.
-التحديات:
رغم التفاؤل، تواجه مصر عددًا من التحديات:
الالتزام بأعلى معايير الأمان النووي.
ضمان استدامة التمويل وسط ارتفاع التكلفة.
تعزيز الثقة المجتمعية وتفادي المخاوف البيئية.
-رأي خبير: الضبعة بوابة إلى استقلال طاقي
يرى الدكتور أحمد راغب، خبير الطاقة، أن مشروع الضبعة سيقلل الاعتماد على الغاز الطبيعي، ويمثل نقلة في مزيج الطاقة المصري. لكنه يشدد على أهمية الاستثمار في الكوادر وضمان التشغيل الآمن. ويؤكد أن الطاقة النووية تُشكل "فرصة تاريخية" لتعزيز الاستقلال الطاقي لمصر.
مستقبل واعد في قلب التحول العالمي
مؤكدا أن مصر تسعى لترسيخ موقعها على خريطة الدول المالكة للتكنولوجيا النووية السلمية، من خلال مشروعات استراتيجية تبدأ بمحطة الضبعة، وتمتد إلى شبكة من المحطات الكبرى والصغيرة، ما يؤهلها لتحقيق الاكتفاء وتصدير الكهرباء، خاصة في ظل تراجع إنتاج الوقود الأحفوري عالميًا.
ومع دعم سياسي واضح وتوجه عالمي داعم، تبدو الطاقة النووية خيارًا مستدامًا وواعدًا لمستقبل الطاقة المصري.
