بين الأمانة والحاجة.. فتوى تجيز للوكيل الفقير الانتفاع من الزكاة

أثارت فتوى حديثة لدار الإفتاء المصرية تساؤلات عديدة حول جواز حصول الوكيل على جزء من أموال الزكاة التي يكلف بتوزيعها، خاصة إذا كان هذا الوكيل من الفقراء أو المستحقين، السؤال الذي ورد إلى الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية والقائم بأعمال مفتي الجمهورية، جاء نصه كالتالي: "هل يجوز للوكيل أن يأخذ من أموال الزكاة التي كُلِّف بتوزيعها على الفقراء، علمًا بأنه فقير؟".
الحكم الشرعي في أخذ الوكيل للزكاة إذا كان فقيرًا
أجاب فضيلة المفتي من خلال الموقع الرسمي لدار الإفتاء، موضحًا أن الجواب يختلف بحسب صيغة الوكالة، فإذا كان الموكل قد قيّد الوكيل بصرف الزكاة في جهة معيَّنة أو إلى أشخاص محددين، ولم يكن هذا الوكيل من بينهم، فلا يجوز له أخذ شيء من تلك الأموال، أما إذا كانت الوكالة مطلقة، ولم يحدد فيها الموكل من يستحق الزكاة، وكان الوكيل فقيرًا بالفعل ويستوفي شروط الاستحقاق، فإنه يجوز له أخذ نصيب منها، بالمعروف، كما لو كان يُعطي غيره من المستحقين.
هذا التوضيح يفتح بابًا لفهم أوسع حول قواعد توزيع الزكاة، وحرص الإسلام على أن تصل هذه الفريضة إلى مستحقيها بشفافية وعدالة، دون أن تتعارض مع الأمانة والنية التي يوكَل بها الشخص المسؤول عن التوزيع.
الزكاة في الإسلام.. ركن أساسي ومقصد اجتماعي
تعد الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام، بعد الشهادتين والصلاة، وهو ما أكده حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: «بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة...»، وهو حديث متفق عليه بين البخاري ومسلم.
وتكمن أهمية الزكاة في دورها الاجتماعي والاقتصادي، فهي ليست مجرد عبادة مالية، بل تشكّل نظامًا دقيقًا لتوزيع الثروة وتحقيق التكافل بين أفراد المجتمع، ولذلك، لم يترك الإسلام هذه الفريضة دون توجيه واضح، بل حدد مصارفها بدقة في القرآن الكريم.
مصارف الزكاة في القرآن الكريم
قال تعالى في محكم آياته: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة: 60].
وبذلك يكون الله سبحانه وتعالى قد حدد ثمانية أصناف يستحقون الزكاة، في مقدمتهم الفقراء والمساكين، ومن هنا يتضح أن الوكيل إذا كان فقيرًا بالفعل، ويحق له شرعًا أخذ الزكاة، فلا مانع من استفادته منها إذا لم تكن هناك شروط تُقيّده.
هل يجوز الجمع بين الوكالة والاستحقاق؟
ما يميز الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء أنها تراعي توازنًا دقيقًا بين الأمانة في أداء الوكالة وبين الحاجة الإنسانية، فالشخص الذي أوكله الغني لتوزيع الزكاة قد يكون في أمسّ الحاجة إليها، ولا يمنعه منصبه كوكيل من أن يكون أحد المستفيدين، بشرط ألا تكون الوكالة حددت له توجيه الأموال لغيره دون أن تشمل نفسه.
ويُفهم من ذلك أن الجمع بين الوكالة والاستحقاق جائز إذا توفرت الشروط، أبرزها: أن يكون التوزيع غير مقيّد، وأن يكون الوكيل فقيرًا فعليًا، وأن يأخذ من المال بقدر الحاجة ودون تجاوز، مراعيًا نفس المبدأ الذي يراعيه مع غيره من الفقراء.
الحديث النبوي.. الزكاة تؤخذ من الأغنياء وتُرد على الفقراء
وفي هذا السياق، استشهد فضيلة المفتي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين أرسل الصحابي معاذ بن جبل إلى اليمن وقال له: «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»، وهو حديث رواه البخاري ومسلم، ويؤكد المعنى الجوهري للزكاة كأداة لنقل المال من الأغنياء إلى الفقراء.
دار الإفتاء تؤكد: الضوابط هي الفيصل
وتؤكد دار الإفتاء في هذه الفتوى وغيرها أن الضوابط الشرعية هي الفيصل في هذه المسائل، ويجب أن يتحرى الإنسان فيها الدقة والنية الصادقة، كما تُشير إلى أهمية استشارة الجهات المختصة، وعدم الاجتهاد الشخصي في أموال الزكاة، لما لها من قداسة ومكانة عظيمة في الإسلام.