عاجل

"تخيّلت جميع كتب مكتبات العالم في مكان واحد سهل الوصول إليه من قِبل الجميع"، لم يكن لاري بيج يصدق أن حلمه هذا الذي حلم به في حجرة بجامعة ستانفورد سيصبح حقيقة في غضون سنوات قليلة بعد أن تمكن مع صديقه سرجي برين من تأسيس محرك بحثي عُرف آنذاك باسم "google" وظهر لأول مرة بشكل محدود عام 1998.

بعد ثلاث سنوات وفي عام 2001 أصبح "google" هو الأشهر عالميًا إذ بات يوفر خدمات بأكثر من 26 لغة بمعدل مليون بحث يوميًا وهي نسبة تضاعفت حتى وصلت إلى 5 ملايين عملية بحث يومية في عام 2013.

على الجانب الآخر كان جيل "Millennials" المولود في الفترة من 1981 حتى 1996 على موعد مع طفرة تكنولوجية مقارنة بما سبقه من أجيال، إذ لم يعد هذا الجيل بحاجة إلى الذهاب إلى المكتبات أو البحث في مصادر الكتب من المؤسسات المعنية بذلك، بل كل ما يتطلبه الأمر "كليك" عبر جوجل لينتهي الأمر بك إلى المعلومة التي تريدها.

بالطبع انتشرت محركات بحث كثيرة خلال العقدين الماضيين لكن في النهاية ظل google هو المسيطر على هذا المجال بشراكات عالمية وتطوير مستمر، لكن ما لم يخطر على بال مؤسسي جوجل أن نماذج الذكاء الاصطناعي ستهدد نسبة الإقبال عليه بل وتهدد وجوده من الأساس، حتى جيل "Millennials" لم يعد الرهان عليهم مجديًا لأن من تولى الراية حاليًا هو جيل "Z".

ما أقوله كشفته دراسة حديثة أعدتها "بيج ون باور" وهي شركة متخصصة في التكنولوجيا، وبموجب تلك الدراسة فإن جيل "z" بات يفضل محركات بحث أكثر تفاعلية مثل يوتيوب وتيك توك للحصول على المعلومة وأن هناك تراجع في مكانة "google " لديهم، كما أوضحت أن 46% من هذا الجيل يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من البحث الكلاسيكي، ولذلك أسباب كثيرة منها تشككهم ناحية المؤسسات الكبرى والوسائل الإعلامية التقليدية والانحيازات لبعض الصحف والقنوات، وهذا أيضًا ما أكده معهد رويترز لدراسة الصحافة والذي أوضح عام 2023 أن 60% من جيل z يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرون لمتابعة الأخبار.

العزوف عن محركات البحث مثل "جوجل" أدت بدورها إلى صعود بدائل أخرى مثل محرك "DuckDuckGo" المهتم أكثر بالخصوصية والمدعوم بالذكاء الاصطناعي، كما أدى إلى تصاعد نماذج الذكاء الاصطناعي لتحل محل محركات البحث الجديدة إذ بات اعتماد جيل z الأساسي عليها في الحصول على المعلومة التي يريدها.

تلك الحالة دفعت أيضًا شركات التقنية الناشئة إلى البحث عن روبوتات دردشة معتمدة على الذكاء الاصطناعي ومهمتها تحسين عملية البحث وتصنيفه بحسب ما يريده المستخدم أو يبحث عنه، وفي أحيان أخرى تعمل محركات البحث وفق تنبؤ سابق للمستخدم فتخرج له بعض النتائج التي قد يحتاجها في المستقبل.

لكن الأهم من ذلك هو صراع آخر شرس نشب بين شركات الإعلان التي باتت لا تعتمد كثيرًا على "جوجل" لتسويق العلامات التجارية واتجهت إلى نماذج الذكاء الاصطناعي فطورت شركات مثل "Brandtech " و"Profound" برامج ترصد لها مدى تكرار ظهور العلامات التجارية في "ChatGPT" وغيره لتقييم الموقف، وبحسب صحيفة فايناشيال تايمز البريطانية فإن هذا التحول يعد تهديد صريح لجوجل خاصة أن 80% من المستهلكين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي في 40% من عمليات البحث، و60% من حالات البحث تنتهي دون أن ينقر المستخدمون على موقع إلكتروني آخر ما يقلل نسب ظهور الإعلانات وبالتالي حجم الإيرادات التي ينتج عن هذا، في مقابل زيادة الإيرادات لنماذج الذكاء الاصطناعي.

رغم ذلك اعلنت شركة "ألفا بت" المالكة لـ"جوجل" أن أعمالها نمت بنسبة 10% في مجال البحث والإعلان خلال الربع الأول من 2025 لتسجل أرباح وصلت إلى 50.7 مليار دولار، رغم أن نماذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها مثل "Gemini " لم يحتل مكانة الصدارة مثل البدائل الاخرى، والآن هل غربت شمس "جوجل" وهل سيتحول ذكرى خلال السنين المقبلة التي سيتولى فيها جيل "z" إدارة العالم ليدشن عصر جديد بأدواته ومحركات بحثه ويصبح "google " بما يعنيه من كلمة وما حققه من إنجازات لم تكن متخيلة مجرد حدث في التاريخ.

تم نسخ الرابط