سيدة الكفاح .. نجلاء تتحدى الحياة بـ50 جنيهًا يوميًا وتأمل في شفاء ابنتها

في أحد الأحياء الشعبية، تقف نجلاء كل صباح تحمل على كتفها سلة مملوئة بأرغفة الخبز الساخنة، تجهزها لتبدأ رحلة بيعها اليومية، ورغم تعب السنين الذي يظهر في تجاعيد وجهها، إلا أن عينيها تحملان بريق الأمل، أمل لا ينطفئ بأن تجد لابنتها الصغيرة علاجًا يشفيها ويمنحها حياة طبيعية.
قصة سيدة الكفاح
نجلاء، سيدة في الأربعينات من عمرها، أم لفتاة تبلغ من العمر 15 عامًا وتعاني من تأخر عقلي منذ طفولتها، تعيش نجلاء ظروفًا قاسية، وتضطر للعمل يوميًا كبياعة عيش تتنقل بين الحارات لتبيع ما استطاعت حمله من الأرغفة، ورغم أن ما تجنيه لا يتجاوز 50 جنيهًا في اليوم، فإنها لا تشتكي، بل تردد دائمًا: "الحمد لله.. ربنا كبير".
تبدأ نجلاء يومها في السابعة صباحا، تذهب إلى المخبز لتأخذ حصتها من الخبز، ثم تعود بسرعة إلى منزلها المتواضع لتطمئن على ابنتها قبل أن تخرج للعمل، لا تملك نجلاء رفاهية الراحة، فالوقت بالنسبة لها يعني طعامًا أو دواءً لابنتها، تقول: "أنا مبحسش بالتعب وأنا بشتغل.. التعب الحقيقي لما بشوف بنتي مش قادرة تتكلم ولا تلعب زي باقي البنات".
حلم نجلاء الأكبر ليس امتلاك بيت جديد، ولا مال وفير، بل حلم بسيط وإنساني: أن ترى ابنتها تتلقى علاجًا مناسبًا، أن تسمعها تناديها بكلمة "ماما" بصوت واضح، أن تراها تذهب إلى مدرسة خاصة وتتعلم شيئًا يساعدها في الحياة، "نفسي بنتي تتعالج.. نفسي تشوف الدنيا بعينها وتعرف تعيش زي غيرها"، تقولها نجلاء والدموع تملأ عينيها.
الوقت ليس رفاهية
ورغم ما تمر به من مشقات، لم تفكر نجلاء يومًا في الاستسلام، تعمل في الصيف تحت لهيب الشمس، وفي الشتاء وسط البرد والمطر، لكن قلبها ممتلئ بالإيمان، تعتبر أن كل يوم جديد هو فرصة جديدة للرزق، وللاقتراب من تحقيق أملها في علاج ابنتها، ومع أن الكثيرين قد يراهم المجتمع أشخاصًا "عاديين"، فإن نجلاء في الحقيقة بطلة من نوع خاص، تكتب قصة كفاحها بعرقها وصبرها.
تقول نجلاء إن الحياة علمتها ألا تعتمد إلا على نفسها، فزوجها تركها منذ سنوات بعد أن علم بحالة ابنته، ولم يعد يسأل عنها ولا عن احتياجاتها، "مكنتش أتخيل إن بنتي تكون سبب في إنه يسيبنا، بس هي بركة في حياتي، ومش هرميها عشان حد"، تقولها نجلاء بحسم.
فرصة لبنتي تتعالج
اليوم، لا تطلب نجلاء من الحياة الكثير، فقط أن يسمع أحدهم قصتها، وأن تجد من يساعدها في علاج هالة، "أنا مش عايزة صدقة.. عايزة بس فرصة لبنتي تتعالج وتعيش حياة شبه طبيعية"، تختم كلماتها بنبرة كلها رجاء.
قصة نجلاء ليست مجرد قصة فقر، بل قصة صمود إنساني لمرأة جعلت من الكفاح عنوانًا لحياتها، ومن الأمل سلاحًا في وجه الظروف القاسية، في زمن كثرت فيه الشكوى، تظل نجلاء نموذجًا نادرًا لمرأة لم تنحنِ، بل ظلت واقفة، تحمل الخبز في يد، والأمل في يد أخرى.