حرب الموانئ تشتعل والتجارة العالمية في مهب التعريفات الأمريكية (فيديو)

في ظل احتدام المنافسة داخل الممرات البحرية العالمية، فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفارقة تجارية أدّت إلى إعادة رسم خريطة سلاسل الإمداد الدولية، وذلك بعد فرض رسوم جمركية تصاعدية على الواردات الصينية بلغت نسبتها 145%.
هذه الرسوم أثّرت بشكل مباشر على حركة الشحن في موانئ الولايات المتحدة، حيث سجل ميناء لوس أنجلوس انخفاضًا حادًا بنسبة 45% في عدد الحاويات خلال أبريل مقارنة بالعام الماضي.
وعرضت قناة "القاهرة الإخبارية"، تقريرا بعنوان "حرب الموانئ تشتعل.. والتجارة العالمية في مهب التعريفات الأمريكية"، فالفراغ الذي تركه التراجع الأمريكي لم يظل بلا بدائل؛ إذ اتجه المستوردون الأمريكيون إلى أسواق جنوب شرق آسيا، وخصوصًا فيتنام، التي ارتفعت منها أسعار الشحن بنسبة 15%، في محاولة لتفادي التعريفات الجمركية غير المستقرة والبحث عن مصادر توريد جديدة.
في المقابل، استفادت الموانئ الصينية من إعادة تنظيم خطوط التجارة الإقليمية، مما عزز من مكانتها كمركز محوري في التجارة العالمية رغم القيود والعقوبات، واستعادت قدرًا من الزخم في عمليات التصدير والاستيراد.
لكنّ الانعكاسات السلبية ظهرت بوضوح داخل الولايات المتحدة، مع ارتفاع في الأسعار ونقص في السلع الحيوية، إلى جانب تصاعد مخاوف من دخول البلاد في حالة ركود اقتصادي، خاصةً في ظل تراجع إنفاق المستهلكين، الذي يمثل نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
وبينما لا تزال هناك مبادرات محتشمة لإعادة إطلاق مفاوضات تجارية، يبدو أن الهيمنة التقليدية للموانئ الأمريكية، وخاصة في كاليفورنيا، لم تعد مضمونة. فكل حاوية تغادر الصين دون أن تصل إلى الأراضي الأمريكية تساهم في إعادة توزيع موازين القوة الاقتصادية، مما ينذر بانزياح مركز الثقل التجاري شرقًا، بوتيرة أسرع مما يتوقعه صناع القرار في واشنطن.
ومن ناحية أخرى، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن نيته خفض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، مما يُشير إلى احتمال انفراج للتوترات التجارية المستمرة.
ويأتي هذا التطور في ظلّ ظروف اقتصادية معقدة تواجهها الدولتان، حيث تُعرب الإدارة الأمريكية عن تفاؤلها بالتوصل إلى اتفاق مستقبلي. ورغم غياب المفاوضات الرسمية، تُعتبر هذه الخطوة بادرة لتخفيف الضغط الاقتصادي بين القوتين العالميتين.
الرسوم الجمركية
وتفرض الولايات المتحدة حاليًا رسومًا جمركية باهظة بنسبة 145% على الواردات الصينية، وهو إجراء قوبل بفرض الصين رسومًا جمركية مماثلة بنسبة 125% على الصادرات الأمريكية.
وبينما تتمتع بعض المنتجات، مثل الهواتف الذكية وأشباه الموصلات، بإعفاءات مؤقتة، لا تزال رسوم جمركية واسعة النطاق بنسبة 20% سارية. وتشير تصريحات ترامب الأخيرة إلى انخفاض كبير في هذه الرسوم، رغم تأكيده على أنها لن تُلغى تمامًا.
ينبع قرار ترامب بخفض الرسوم الجمركية من اعتقاده بأن الرسوم الحالية مرتفعة للغاية. وصف التعريفة الجمركية البالغة 145% بأنها "مرتفعة جدًا"، مؤكدًا أنها "لن تكون بنفس الارتفاع" مستقبلًا.
ومع ذلك، سارع إلى توضيح أن الرسوم لن تعود إلى الصفر، وهو مستوى يزعم أنه سمح للصين "بتدمير" الاقتصاد الأمريكي في الماضي.
وأكد الرئيس على ضرورة انخراط الصين في صفقة تجارية، قائلًا: "في النهاية، عليهم إبرام صفقة، وإلا فلن يتمكنوا من التفاوض في الولايات المتحدة".
ويعكس هذا الموقف استراتيجية أوسع نطاقًا لإجبار ليس فقط الصين، بل دول أخرى، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشروط الولايات المتحدة.
ورغم مبادرات الولايات المتحدة، لم تقترح الصين رسميًا أي شروط أو تدخل في مفاوضات بعد. ومع ذلك، يشير جوردون تشانج، الزميل البارز في معهد جيتستون، إلى أن الصين تجنبت بشكل انتقائي فرض تعريفات جمركية على قطاعات معينة، مثل منتجات الطيران والمواد الكيميائية الصناعية.
ويُفسر هذا الامتثال الانتقائي على أنه إقرار ضمني بمطالب الولايات المتحدة دون تنازل رسمي.
كما يُسلّط تشانج الضوء أيضًا على التحديات الداخلية التي يواجهها الرئيس الصيني شي جين بينج، الذي يجد نفسه في موقف صعب. تُشكّل الحاجة المُحتملة لتبرير أي تنازلات للشعب الصيني عقبة كبيرة، تُعقّد الطريق نحو اتفاق مُفيد للطرفين.