بيونج يانج تبتعد عن بكين وتقترب من الدب الروسي.. هل تحالف دائم أم صفقة عابرة؟

في خضم الحرب الروسية الأوكرانية والوضع الاستراتيجي المتقلب في شمال شرق آسيا، تُظهر كوريا الشمالية بوادر ميل نحو موسكو أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، فهل تُمثل هذه نقطة تحول في استراتيجية السياسة الخارجية لكوريا الشمالية، أم أنها مجرد حسابات توقيتية لخدمة أهداف آنية؟
شراكة استراتيجية شاملة
ليس التقارب بين كوريا الشمالية وروسيا محض صدفة، فالعلاقات الدبلوماسية بين كوريا الشمالية والاتحاد السوفيتي (روسيا) تعود إلى عام 1948، قبل تأسيس الصين الشيوعية. وطوال فترة الحرب الباردة، حافظ البلدان على علاقات ودية.
كوريا تعوض النقص اللوجستي الرروسي
واليوم، في ظل مواجهة موسكو لنقص لوجستي بسبب الحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات في أوكرانيا، أصبحت كوريا الشمالية موردًا طارئًا، حيث تُقايض الأسلحة بالتكنولوجيا، والدعم عبر الأقمار الصناعية، وحتى بالرعاية الدبلوماسية.
وتشير التقارير الواردة من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى أن عشرات الآلاف من قذائف المدفعية والصواريخ الكورية الشمالية قد شُحنت إلى ساحة المعركة الأوكرانية. في المقابل، يُقال إن روسيا تساعد بيونج يانج على تطوير نظام استطلاع عسكري عبر الأقمار الصناعية، وهو أمر لم يسبق لكوريا الشمالية أن فعلته.
الصداقة الشخصية
والأهم من ذلك، أن زيارة كيم جونج أون إلى روسيا في سبتمبر 2023 لم تكن مجرد بادرة دبلوماسية. فالصور الحميمة بين كيم وبوتين، إلى جانب تصريحات "الصداقة الشخصية"، أوحت بأن بيونج يانج كانت تبحث عن بديل للدور الذي لعبته الصين لعقود.
وتُوجت هذه العلاقة بتوقيع الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية في يونيو من العام الماضي. ولم يكن الظهور العلني المتزايد للقوات الكورية الشمالية على الأراضي الروسية للقتال ضد أوكرانيا ذا أهمية.
في عالم ما بعد الحرب الباردة الذي يكتنفه الغموض، يبدو أن كوريا الشمالية تعتقد أن روسيا بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى.
علاقات الصين وكوريا الشمالية فاترة بشكل ملحوظ
على عكس تطور العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية، اتسمت العلاقة بين كوريا الشمالية والصين بالهدوء التام في السنوات الأخيرة. على الرغم من أن الصين لا تزال أكبر شريك تجاري لكوريا الشمالية، حيث تمثل حوالي 90% من التجارة الثنائية، إلا أن تدفق السلع لم يتعاف تمامًا كما كان متوقعًا بعد الجائحة. والأهم من ذلك، أن بكين لم تعد تدعم علنًا الإجراءات العسكرية أو التجارب النووية لبيونج يانج بقوة كما كانت من قبل.
لماذا اختارت كوريا الشمالية روسيا؟
بالنسبة لكوريا الشمالية، وهي دولة تخضع لعقوبات منذ عقود، فإن صعوبة تطوير الموارد أمر لا مفر منه. اختيار روسيا في هذا الوقت هو خطوة "فرصة تكتيكية" أكثر منه تغييرًا كاملاً في الاستراتيجية. بناءً على ذلك، لدى بيونج يانج ثلاثة أهداف محددة:
تعظيم المنافع الفورية، فمن خلال بيع أسلحة حربية لروسيا، تحصل كوريا الشمالية على عملات أجنبية وتكنولوجيا ومساعدات غذائية لا ترغب الصين في توفيرها بسهولة.
التالي، تحقيق توازن استراتيجي، فالتقارب مع موسكو يمنح بيونج يانج نفوذًا أكبر في ردع التحالف العدائي بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، مع استمرارها في استخدام الصين في نطاق نفوذها الضئيل.
في نهاية المطاف، يفتح ذلك المجال لتجربة سياسات خارجية جديدة. قد يكون هذا اختبارًا لقياس ردود أفعال الأطراف، التي قد تدفع كوريا الشمالية إلى تعديل سياستها الخارجية لتكون أكثر مرونة في فترة ما بعد كوفيد-19 وعهد ترامب الثاني.
حدود ومخاطر تحالف "موسكو - بيونج يانج"
مع ذلك، فإن التحالف الناشئ بين روسيا وكوريا الشمالية يواجه العديد من القيود العملية.
روسيا الآن معزولة عالميًا، وتخضع لعقوبات، وتعاني من حربها في أوكرانيا. إن الاعتماد على شريك كهذا قد يزيد من المخاطر الدبلوماسية لكوريا الشمالية، لا سيما وأن موسكو مترددة في إرسال قوات للدفاع عن بيونج يانج ضد أي هجوم من الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية.
إذا خسرت روسيا الحرب مع أوكرانيا (وهو أمر مستبعد حاليًا) أو وقعت في أزمة سياسية داخلية، ففي كلتا الحالتين، ستفقد كوريا الشمالية مصدر دعمها الوحيد الحالي سوى الصين. وهذا يجعل الخيار الموالي لروسيا "مقامرة أحادية الاتجاه"، بينما لا تزال بيونج يانج بحاجة إلى بكين للحفاظ على بقائها الاقتصادي.
قد يؤدي الإفراط في التأييد لروسيا إلى رد فعل غير سار من الصين. فبكين لا تريد أن تفقد دورها القيادي في شبه الجزيرة الكورية وشمال شرق آسيا، وسيجبر نفوذ روسيا المتزايد الصين على الرد بشكل دبلوماسي أكبر.